للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

السلام عليكم ورحمة الله. وبعد فقد كتب الأستاذ الباحث علي الطنطاوي في العدد ٣٧٩ من الرسالة الغراء (كلمة في القرآن) جاء فيها:

(واقتصر الناس على الحرف الواحد حتى نشأ النحاة وأهل اللغة والقراء؛ فوقع بينهم اختلاف كبير في حركة أو إمالة أو مد أو همز فكان من ذلك القراءات السبع).

وهي عبارة تفهم القارئ أن للنحو واللغة والقراء مدخلاً في اختلاف القراءة. وما أظن الأستاذ - وهو باحث فاضل - يعتقد ذلك أو يميل إليه؛ فإن الحق الذي لا شبهة فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرأ أمته على الأحرف السبعة تخفيفاً وتيسيراً؛ وأن هذه القراءات المشهورة الآن - وإن تكن على الحرف الذي اقتصر عليه عثمان رضي الله عنه حسماً لمادة الخلاف - مروية عنه صلى الله عليه وسلم بطريق التواتر، وإنما لم يكتب المصحف العثماني مشكولاً منقوطاً تيسيراً لقراءته على الأوجه التي صح سماعها عن صاحب الوحي قطعاً. ولا غرابة في أن يكون للحرف الواحد أوجه كثيرة؛ ومن ذلك - مثلا - اختلاف الكلمة بين الاسمية والحرفية في مثل قوله تعالى (فناداها من تحتها) قرئ بكسر (من) وفتحها. ومن ذلك اختلافها في حرف المضارعة في مثل قوله تعالى (وما ربك بغافل عما يعملون) قرئ بالتاء والياء ومن هذا أيضاً اختلاف حركة الإعراب في نحو قوله جل ثناؤه (واتقوا الله الذي تسألون به والأرحام) بنصب كلمة (الأرحام) وجرها.

فلو كتب المصحف الإمام مشكولاً منقوطاً لثبتت به قراءة واحدة فقط، وفيه من الحرج ما فيه. لكن لما كثر الناس ونشأ اللحن خيف على القرآن الكريم أن يلحن فيه، وان يقرأ على غير وجهه، فطلب زياد بن أبيه - وكان أميراً على العراق - إلى أبي الأسود الدؤلي، وهو من كبار التابعين المتقنين للقراءة أن يضع للناس علامات تضبط قراءاتهم ففعل، وكان ذلك مبدأ للشكل ثم النقط.

هذا، وأكبر الظن أن الأستاذ اطلع على تفسير القرآن العظيم للحافظ ابن كثير، وعلى الشفا للقاضي عياض، فوجد فيهما بغيتيه أو ما يدنو منهما. ولعل علماءنا لا يزالون يرون أنه ما ترك الأول للآخر شيئاً، أو أنهم ينتظرون من الشباب الناهض همة وإقداماً على أني أؤيد الأستاذ في ما ذهب إليه، وأسأل الله للعاملين سداداً وتوفيقاً.

هذه عجالة نمد بها سن القلم، أو نرفع بها سهو الكاتب، ولعل صدر الرسالة الغراء - وهي

<<  <  ج:
ص:  >  >>