للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

صفحة من حرب الجبابرة

جيوكندا

للأستاذ محمد محمد مصطفى

السماء يومئذ تمطر شهباً تزلزل الأرض وتفتت الصلب، والمدفع تصم الآذان وتدك البنيان، والقذائف تشمل الجو ناراً ودخاناً. وانقلبت (بورجيا) قرية فرنسا الجميلة إلى حطام يلتهب وأنقاضاً تنفر منها الشياطين، وزخرت الطرق والمزارع بالنازحين منها والدبابات في أثرهم ترسل عليهم الموت ولا عاصم لهم منها إلا العراء.

وانتهت (جيوكندا) إلى ظل من ظلال الغابة، فجلست مكروبة محزونة تنظر من خلال الدمع إلى القرية وقد أضحت يباباً.

لقد ماتت أمها كمداً لمصرع وحيدها في الميدان، وكان أبوها مسبوتاً على فراش المرض فبات تحت الأنقاض.

ووقفت تنتفض ذعراً وهي ترى جموعاً مائجة ولججاً هائجة من دبابات الألمان تطوي الأرض وترسل ضوضاء وصفيراً يحطم العصب ويوهن القلب، ومع ذلك فقد كانت مدافع الفرنسيين ترسل عليهم لظى من نار، فلا يقفون ولا يهزمون كأنما قد بسط لهم أديم الأرض.

ودنت منها الدبابات متراصة تنفث لهباً وموتاً، وتترك ما وراءها صعيداً جرزاً، فجرت هالعة إلى غير هدف، ولبثت في عدوها تنظر بين الحين والحين إلى الوراء فترى الدبابات تقترب منها فتواصل العدو، وأضناها السير فسقطت لاهثة وانية ثم غابت عن رشدها.

- أأنت قائد فرقة باصقات اللهب الخامسة والستين؟

- نعم.

فحول الجنرال نظره وعبث بشاربه الأشيب وتمتم بصوت خافت:

- ولكنك صغير السن. . .

فأردف القائد الشاب:

<<  <  ج:
ص:  >  >>