للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

هذا العالم يحتاج إلى قليل من المكر السياسي، وكثير من الخلق المستقيم

أفلاطون: نحن على وفاق. فإن كل ما يحتاج إليه المواطن هو العواطف الخلقية القوية القويمة. ولكن هذه العواطف وحدها لا تكفي لتكوين من يصلحون للحكم. وأنتم في تجربتكم التي تقومون بها الآن بتربية الشعب تحاولون أن تعدّوا جيلاً يستطيع أن يحكم نفسه بنفسه. وعندي أن هذا الجيل يحتاج إلى شيء آخر بجوار العواطف الخلقية التي أشرت إليها. إن مهنة السياسة تحتاج إلى مهارة ولباقة عقلية. وإذاً فلابد أن نفرق بين التربية التي يحتاج إليها المواطن العادي والتربية التي يحتاجها الحاكم السياسي. فهذا الأخير يجب أن يعرف شيئين: قواعد السياسة التي يريد أن يتبعها، والعالم الذي يريد أن يطبق فيه هذه القواعد. فهو باحترافه السياسة يشبه كل صاحب مهنة فقد نجد الرجل المغرم بالصور الجميلة، الذي يدرك الجمال أنى يكون ويحبه بكل قواه، ولكن هذا الإغرام أو الحب لا يخلق منه رساماً أو مصوراً. فالمصور لابد له من معرفة قواعد التصوير، وخواص الألوان ومزجها ونتيجة أخلاطها، وأنواع الأوراق والمواد التي يستعملها في تصويره، وأصناف الفراجين التي يستخدمها وهلم جرا. هذا إلى الهبة الطبيعية التي تكون فيه. والأمر كذلك في الحكم؛ فليس يكفي أن يكون الحاكم ذا ميول خلقية نبيلة كحبه للعدل والسلم، لا، بل لابد من أن يعرف أصول السياسة، وحوادث العالم اليومية، العالم الذي سيطبق فيه أصول سياسته. فأمر السياسة العالمية الخارجية إذاً ليس من السهولة بحيث يمكن أن يصير المرء بها وفيها خبيراً. ولهذا لا أفهم كيف يستطيع مواطنوك أن ينقدوا سياسة الحكومة وأن يوجهوها

المربي: إن المواطنين لا يستطيعون طبعاً أن يفهموا دقائق الأمور، ولا أن يتعدوها أو يغيروها، ولكنهم يستطيعون أن يقرروا اتجاهات السياسة العامة التي يجب أن تتبعها الحكومة

أفلاطون: أخالفك في هذا. لأن الاتجاهات العامة من المكان والأهمية بحيث تحتاج إلى فيلسوف لحل معضلاتها التي هي معضلات الحرب والسلم، والاعتداء والدفاع، ولكن مهما يكن من الأمر فلنترك بحث السياسة الخارجية، ولنرجع إلى موضوع إصلاحاتكم في التربية ونظمها. لقد ذكرت في حوارك أن غايتكم المثلى في التربية هي أن تكون عامة لكل أفراد الشعب، ولعلي لا أكون بعيداً عن الصواب إذا قلت إنك تريد (أن تكون فرص التربية

<<  <  ج:
ص:  >  >>