للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[في الاجتماع اللغوي]

اللهجات المحلية

للدكتور على عبد الواحد وافي

مدرس الاجتماع بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول

تقضي القوانين الخاضع لها تطور اللغات أن تختلف اللهجات في الأمة الواحدة تبعاً لاختلاف أقاليمها وما يحيط بكل إقليم منها من ظروف وما يمتاز به من خصائص. وقد جرت العادة أن يطلق على هذا النوع من اللهجات أسم اللهجات المحلية وتختلف هذه اللهجات بعضها عن بعض اختلافاً كبيراً في المساحة التي يشغلها كل منها: فمنها ما يشغل مقاطعة كاملة من مقاطعات الدولة؛ ومنها ما تضيق منطقته فلا يشمل إلا بضع قرى متقاربة؛ ومنها ما يكون وسطاً بين هذا وذاك. وكثيراً ما تختلف هذه المناطق اللغوية في حدودها عن المناطق المصطلح عليها في التقسيم الإداري والسياسي. فقد تقسم القرى التي تتألف منها منطقة لغوية واحدة بين مديريتين أو أكثر؛ وقد يجتمع في مديرية واحدة أو مركز واحد عدد كبير من المناطق اللغوية. ولدينا نحن المصريين على ذاك شواهد كثيرة في مختلف أقاليم الصعيد والوجه البحري

وتعمل كل لهجة من اللهجات المحلية على الاحتفاظ بشخصيتها وكيانها، فلا تدخر وسعاً في محاربة عوامل الابتداع والتغيير في داخل منطقتها، ولا تألو جهداً في درء ما يوجه إليها من خارجها من هجمات. فاللغة نظام اجتماعي، وكل نظام اجتماعي، يحمل في طيه قوة المقاومة والقهر، على حد تعبير العلامة دوركايم

أما محاربة عومل الابتداع في داخل منطقها فتم بفضل العلاقات الوثيقة التي تربط الناطقين بها بعضهم ببعض وتربطهم ببيئتهم ومجتمعهم. وذلك أنه بقوة هذه العلاقات يقوي الضمير الجمعي، وتتأكد سيطرة النظم الاجتماعية، ويعظم نفوذها، ويشتد بطشها بالمعتدين. فكل محاولة فردية للخروج على النظام اللغوي تلقى في مجتمع كهذا مقاومة عنيفة تكفل القضاء عليها في مهدها. وبذلك تتقي اللهجة ما عسى أن يوجه إليها في داخل منطقتها من محاولات الابتداع وعوامل التغيير

<<  <  ج:
ص:  >  >>