للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مرات أننا لو أطلعنا على الغيب لاخترنا الواقع، ولكني لا أحسب أن قصة صغيرة تقرب هذه الحقيقة البعيدة كما قربتها قصة المؤلف الهندي التي جعل عنوانها (لم كان الصخر صلباً؟) وروي فيها أن حجاراً تعب من صلابة الصخر، فتمنى على الله لو أصبح هذا الصخر الصلب رخواً كالزبد والعجين، فلما أستجيب دعاؤه قطع في يوم واحد أضعاف أضعاف ما كان يقطع في أيامه السابقة، ولكن الصخر بار وكسد، لأن الناس استغنوا عن البناء به وأعرضوا عن شرائه؛ وعاد الحجار يقول: (رب! إنك لأعلم أين الخير لعبادك، فاغفر لي دعوتي ورد الصخر صلباً ثقيلاً كما برأته أول مرة).

ويعرض المؤلف مزية الصلابة ومزية الرخاوة في معرض آخر حين يروي عن الصخر أنه تكبر على الطينة القريبة منه، فشمخ بأنفه عليها وقال لها: (أنا صلب نظيف جميل حمول قوي. أما أنت فرخوة قذرة متداعية قبيحة ضعيفة. . .).

فلم تنكر الطينة شيئاً من مزاياه ولا شيئاً من عيوبها، ولكنها أجابته قائلة: (إني لأنمي الحبوب والخضر التي يعيش عليها كل حي، فماذا تنمي أنت؟ إن قوتك عقيمة، وأما ضعفي فمثمر)

وكثير ما يستفاد من أمثال هذه المقابلات والمسجلات، كلما عرفنا أن ننقلها من كبار المشكلات وصعاب المعضلات.

كنت في سيارة من سيارات الأجرة فخطر للسائق أن يختصر الطريق فينحرف إلى الشمال مقاطعاً في بعض الميادين الصغيرة بدلاً من الاستقامة على طريقه إلى الأمام.

وفرق المسافة مائتا متر على أكبر تقدير.

ولكنه حسب فرق المسافة بالمتر وأهمل كل حساب آخر، لأن السيارات كانت مقبلة تتري من الجهة الأخرى، فكانت تعبره واجدة بعد واحدة وهو واقف في مكانه، وحاول أن يرجع فإذا هو قد سد المجاز على من خلفه واستعصى عليه الرجوع، ثم تحول المرور وهو في الانتظار حيث كان، ولو مضى من أول الأمر قدماً لوصل من جانب التطويل قبل أن يصل من جانب الاختصار!

هذا السائق لم يخطئ في مسألة علمية أو مسألة سياسية أو عقدة من عقد البحث والفلسفة، ولكنه أخطأ في العمل الذي يعمله كل يوم وينقطع له دون سائر الأعمال.

<<  <  ج:
ص:  >  >>