للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أما بعد فهذا لطفي السيد باشا في أبرز نواحيه، كاتباً ومفكراً ومديراً للجامعة المصرية، ولكن بقيت كلمة يفرضها الواجب رعاية لحق التاريخ.

كنا نسمع في عهد الحداثة أن (حزب الأمة) الذي تعبِّر عنه (الجريدة) يسالم الاحتلال.

فهل في (المنتخبات) ما يؤيد ذلك، وكان لطفي السيد رئيس التحرير لتلك (الجريدة)؟

كان (حزب الأمة) يمثل فكرة الاعتدال، ولكن مقالات لطفي السيد لا تشهد بأنه كان يسالم الاحتلال.

وكيف تجوز مسالمة الاحتلال على من يقول:

(الديار محتلةُ بأجنبيّ لا هو صريح نقدِّر لشقائنا معه حداً، ولا نحن معه من الرجاء أو من اليأس في إحدى الراحتين)؟

كيف تجوز مسالمة الاحتلال على من يرثي مصطفى كامل أصدق الرثاء، ثم يعلن رأي قاسم أمين في أن وجيعة الشعب لوفاة مصطفى كامل فرصة لإذكاء الروح الوطني؟

كان لطفي السيد من أنصار الاعتدال، ولكنه لم يكن أبداً من المفرِّطين في حق القومية، ومقالاته هي الوثائق الباقية لجهاده في سبيل الحرية والاستقلال.

والناس يشهدون اليوم تمثال مصطفى كامل في أحد الميادين الجميلة بالقاهرة، فمن يبلغهم أن لطفي السيد كان من أوائل الداعين لإقامة ذلك التمثال مع أنه كان من خصوم الرئيس الأول للحزب الوطني؟

لا يؤخذ على لطفي السيد إلا عيب واحدُ: هو أنه لم يستهدف لأي خطر في سبيل حرية الفكر والعقل والوجدان، وبذلك خَلَتْ آثاره من اللهب الذي احترق به المبدعون من أقطاب الفكر والبيان، والسلامة ليست مَغنماً نفيساً في أنظار أكابر الحكماء.

لا يزال لطفي السيد قوة عاتية، فهل يجرِّب الثورة على نفسه مرة واحدة فيخرج من بعض ماله لينشر مجموعة كاملة للمختار من آثاره في الأعوام الخوالي؟

إن أخذ بهذا الرأي فسيحدّد مكانه الصحيح في التاريخ الأدبي الحديث.

وإلا فسيصير إلى ما صرت إليه يوم عققت نصائحه الغالية في مصانعة الناس والزمان.

وإلى أستاذي وصاحب الفضل عليّ، إلى أحمد لطفي السيد باشا مترجم أرسططاليس ومدير الجامعة المصرية، أقدم واجب الثناء، راجياً أن يتناسى ما مرّ بهذا المقال من عبارات لم

<<  <  ج:
ص:  >  >>