للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صاحب الحيوية هو الذي أحكم دقيق أمره وجليله، وامتنعت صفاته السامية كثيرها وقليلها، واحتوى من قوة الروح وهيبتها ما يغمر الجو الذي هو فيه هيبة غير مصطنعة وكانت فيه قوة ذات رحمة إذا قدرت، وذات بطش إذا ظُلمت! وارتفع بكل هذا عن كل مغمز وكل مقالة. . .

- وحيوية الحقيقة يا والدي هي قدرتها على الذهاب بالباطل، وإن الحقيقة لا تسمى حقيقة حتى تستطيع أن تقول للكذب أنت كذب فيقتنع ويخر ساجداً، لأنه يعلم أنها تخاطبه بلسان الواقع والمنطق. . . وقد تسكن الحقيقة أحياناً وتحتجب إذا كان في نفس صاحبها ميل إلى الاستكانة إلى الواقع ولو كان ظلماً! فتظل مقنعة تحاول الظهور كلما تمردت في طبيعتها نزعة الحق، فإن أفلحت في ذلك خرجت تحمل قوتين: قوة الحق، وقوة الإقناع. وكانت مدفوعة بدافعين: دافع استحقاق الوجود، ودافع حب الانتقام من كل معارضة كاذبة. . .

- وهذا ما كان من أمر حقيقتك وحقيقة إخوانك شباب الأدب، فقد ظلت ساكنة مقنَّعة، راضية بالواقع، حتى تحركت طبيعة استحقاق الوجود فيها فقامت ثائرة تناقش، وكان لها من ثورتها قوة تمطر مطرة من الأفكار والحجج، كلها حق وكلها واقع في المقالين السابقين. . . ولكني أرى أن قوتها ترجع إلى سر الحيوية الكامنة في نفسك وفكرك ومنطقك. وإذا وجدت الحيوية في شيء كان وجوده في الحياة وجوداً للحياة نفسها

- أجل يا والدي كان لا بد أن يشعر الشباب بحقه في الحياة الأدبية، وبأن الواجب تشجيع الموهوبين منا، فليس معنى الحياة أنك تحيا وتتحرك وتسكن، وليس معنى الحياة أنك موجود فيها. . . إنما الحياة الحقة أن تشعر هي بك. . . فتكون في الوجود وجوداً، وفي الحياة حياة!!. . . وفرق بين أن تكون خبراً من الأخبار وأن تكون الحياة خبراً من أخبارك!!. . . إن الرجل من امتلأ حيوية، وظهرت حيويته في أقواله صدقاً، وفي أفعاله فلاحاً، وفي نظراته صواباً، وفي منطقه استقامة، وكانت أقواله وأفعاله ونظراته ومنطقه هي حقيقته التي تقول إن صاحبي خلق في الحياة حياة أخرى. . . وجعلها خبراً من أخباره!!

- هذا قول رائع يا بني ولكن كيف يصل الإنسان إلى هذه المرتبة السامية؟ وكيف يستطيع أن يكون نفسه هذا التكوين؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>