للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقال الكاتب وهر أكثر تجربة من العمدة: (إن هذا لا يصلح، وإن النهر يحمل الجثث من أماكن بعيدة، وأنا أتذكر أنه حمل إلينا مرة جثة من مدينة تبعد أربعة عشر ميلاً، وقد بقيت تلك الجثة أربعة أيام قبل الدفن، فكتبنا إلى جهات متعددة، فلم نهتد إلا بعد ثلاثة أعوام إلى المكان الذي غرقت فيه)

قال العمدة: (إذن فلماذا نكتب إلى السلطات؟ - ثلاثة أعوام!) فقال الكاتب: (نحن في هذه الأيام مضطرون إلى إبلاغ السلطات ولو كان القتيل هرة)

قال العمدة: إذن فاكتب إلى السلطات في الحال. فقال الكاتب وهو يحاول صياغة جملته في الصيغة الرسمية: ولكن يا حضرة العمدة أنا الآن مشغول جداً بكتابة التقرير عن هذا المتشرد وذهني مركز في هذه القضية فقط ولا أستطيع تركها للاشتغال بقضية أخرى. . . أسمع يا حضرة العمدة. . . ثم رفع عن المكتب ورقة وأخذ يقرأ:

حضرة صاحب العزة مأمور المركز. . .

بالنظر إلى مرور أحد المتشردين في زمام هذه القرية، وبالنظر إلى أن هذا المتشرد ينكر اسمه واسم بلده فقد حررنا هذا التقرير بتشبيهه:

(متشرد غير معلوم موطنه، مجهول الاسم، حافي القدمين، نحيل، إصبع قدمه الكبرى معوجة، في ذقنه شعر قليل مثل شعر الثعلب، أنفه محدودب رفيع مائل قليلاً إلى الجانب الأيسر وعندما يتكلم تهتز لحيته مثل الأرنب، ومشيته كمشية الثور. أي أن خطوته قصيرة، وركبته بطيئة الحركة، وإذا شده إنسان من أذنه اليمنى تهدلت شفته السفلى وأغمض عينه اليسرى)

وكف الكاتب عن القراءة وبدا عليه الزهو وشعور الثقة بالنفس وقال: (من المحال أن أقف عند هذا الحد من التقرير، فإن أفكاري مركزة وقد حرصت على الدقة)

ظن العمدة أنه قد فهم وقال: (هذا حسن فاقتصر أنت على نظر قضية المتشرد وسأنظر القضية الجديدة. هات ورقاً وقلماً جديداً وسأفكر وأكتب تقريراً للمركز)

وبعد دقيقة كان العمدة يبدأ في كتابة الخطاب. وبعد ساعة فرغ منه

استدعى العمدة كاتبه القدير وقال: (اسمع وقل لي رأيك؟

حضرة صاحب العزة مأمور مركز. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>