للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الفلاسفة العدا. . . . . . . . . . . . وهجومه ضد الفلسفة كان السبب غير المباشر في اختلاف الرأي في جواز الاشتغال بالمنطق ـ وهو فرع من الفلسفة ـ أو عدم جواز الاشتغال به أو الترديد بين الحرمة والجواز:

فاين الصلاح والنواوي حرما ... وقال قوم ينبغي أن يعلما

والقولة المشهورة الصحيحة ... جوازه لكامل القريحة

فمنهاج التعليم العالي في الأزهر وإن فرض تدريس الفلسفة إلا أنها لا تتمتعبقداسة ولا احترام كما يتمتع علم آخر كعلم الكلام مثلاً

وكما أن مبدأ (قداسة) بعض المواد دون بعض يسود التعليم في الأزهر، كذلك مبدأ (الكتاب) إذ أن (مدرس الموضوع) لم يخلق بعد في الأزهر وإن كان في طريق الخلق والتكوين. فالحقائق العلمية في مادة من المواد مصدرها كتاب معين بالذات، والتمكين في الخلافات العلمية ومشاكل البحث لم يزل إلى كتاب مخصوص. ولعل مبدأ الكتاب فرع من مبدأ القداسة لأنها إذا منحت لمادة من المواد قد تتعداها لأمر ما، إلى مؤلف بالذات فيها

وبيئة مثل هذه البيئة التقليدية لا تقبل طبعا بسهولة نتائج البحث العلمي الحديث لأنها قد ترى فيها مايجرح عاطفة عندها تحرص على صيانتها. وعلى صاحب البحث الجامعي قبل أن يبرزه إلى الوجود أن يهيىء النفوس له بالتوجيه تارة، وبالنقاش فيما ألفته وصانته حتى الآن عن النقاش تارة أخرى، وإلا كانت نتيجة بحثه الجامعي سلبية محضة، وكان شأن هذا الباحث شأن القانون الذي فرض مادة في منهاج الدراسة لم تهيأ لقبولها النفوس بعد في الإهمال وعدم الاعتبار

وهذه التهيئة كانت ـ وما تزال ـ من مهمتنا؛ وهي مهمة ليست يسيرة. كم كان شاقا ما صادفني من صعاب في العام الماضي عند عرض فلاسفة المسلمين! فكانت نفوس الطلاب متشوقة أولا وبالذات إلى سماع الحكم عليهم بالإسلام أو بالكفر. ولم أفلح إلا بعد جهد مضن في إقناعهم بالفصل بين القيم المختلفة، وفي أن مهمة مؤرخ الفلسفة الحكم على الفيلسوف من ناحية إنتاجه العقلي فحسب

على أن الإنتاج العلمي الجامعي كما هو وليد القدرة على الإنتاج وكثرة الاطلاع وهضم المقروء وليد الزمن أيضا. وبذا يفترق عن الإنتاج الصحفي أو الإنتاج المدرسي. ونحن

<<  <  ج:
ص:  >  >>