للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

على أن ابن عبد ربه وإن كان مسبوقاّ إلى التأليف في هذا الباب قد اجتمع له في هذا الكتاب ما لم يجتمع مثله في كتاب قبله ولا بعده من كتب هذا الفن، فكان بذلك حقيقاّ بالمنزلة العلية التي أحله إياها أدباء العربية؛ إذ كان مصدراّ من أهم مصادر التاريخ الأدبي التي يعول عليها ويستند اليها، بحيث لايغني غناءه كتاب في المكتبة العربية على غناها وما احتشد فيها من تراث أدباء العرب

والحق أن هذا الكتاب هو موسوعة أدبية عامة، يوشك فيه أن يجزم بأنه لم يغادرشيئاّ مما يهم الباث في (علم العرب) إلا عرض له، وأعني ب (علم العرب) مجموعة المعارف العامة في الأدب والتاريخ والسياسة والاجتماع التي تتكون منها عناصر الثقافة العربية العامة لعهد هذا الكتاب؛ وحتى الفروع التي انشعبت من علم العرب قريباّ من ذلك التاريخ واختصت بالبحث في (علوم الدين) ثم تميزت باستقلالها. . . لا يعدم الباحث أن يجد فروعاّ من مسائلها قد عرض لها صاحب العقد في أبواب متفرقة من كتابه، لعله لا يجد لكثير منها نظائر في كثير من الكتب الخالصة للبحث في هذه العلوم

وثمة فضل آخر يميز صاحب العقد على سابقيه ممن عرضوا لهذا الباب، هو أن ابن عبد ربه أندلسي من أهل الجزيرة يتحدث عن أدب المشارقة فلا تقًصر به مغربيته عن اللحاق والسبق؛ ولعل هذا كان بعض دواعي ابن عبد ربه إلى تأليف كتابه؛ إذ كان في طبعه من المنافسة وحب الغلب ما يحفزه إلى هذا المضمار، كما سنذكره بعد

وليس بي حاجة إلى الحديث عن نهج صاحب العقد في تأليف كتابه؛ فقد تكفل هو بتبيان ذلك في مقدمة الكتاب؛ ولكن الذي يعنيني أن أذكره هنا، هو أن ذلك النهج الذي سلكه مسبوقاّ اليه وسلكه كذلك من بعده، كان يستند إلى قاعدة مقررة (في علم الأدب) كما عرفه القدماء. أنظرإلى ابن خلدون يقول في مقدمة تاريخه: (هذا العلم - يعني علم الأدب - لا موضوع له ينظر في إثبات عوارضه أو نفيها، وإنما المقصود منه عند أهل اللسان ثمرته، وهي الإجادة في فنًي المنظوم والمنثور على أساليب العرب ومناحيهم؛ فيجمعون لذلك من كلام العرب ما عساه تحصل به الملكة، من شعر عالي الطبقة، وسجع متساو في الإجادة، ومسائل من اللغة والنحو مبثوثة أثناء ذلك متفرقة، يستقري منها الناظر في الغالب معظم قوانين العربية، مع ذكر بعض من أيام العرب، ليفهم به مايقع في أشعارهم منها. وكذلك

<<  <  ج:
ص:  >  >>