للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأولى فدرست آثارها وضاعت فيما ضاع من تراث المكتبة العربية وآثار الكتاب العرب، وبقى العقد خلفاً منها لا غناء عنه ولا بديل منه، يرجع إليه الأديب والمؤرخ واللغوي والنحوي والعروضي وصاحب الأخبار والقصص، فيجد كل طلبته وغرضه ولا يستغني عنه غير هؤلاء من طلاب النوادر والطًرف في باب الطعام والشراب والغناء والنساء والحرب والسياسة والاجتماع ومجالس الأمراء ومحاورات الرؤساء، وغير ذلك مما لا يستوعبه الحصر ولا يبلغه الإحصاء

على أن ابن عبد ربه لم ينظر فيما جمع لكتابه من الفنون نظر المختص، بحيث يختار ما يختار لكل فرع من فروع المعرفة بعد نقد وتمحيص واختبار، فلا يقع منه في باب من أبواب الفن إلا ما يجتمع عليه صواب الرأي عند أهله، لا؛ ولكنه نظر إلى جملة ما جمع نظر الأديب الذي يروي النادرة لحلاوة موقعها لا لصحة الرأي فيها، ويختار الخبر لتمام معناه لا لصواب موقعه عند أهل الرأي والنظر والاختصاص. أنظر إليه فيما روي من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم مثلاً، تجد الصحيح والمردود والضعيف والمتواتر والموضوع. واقرأ له ما نقل من حوادث التاريخ وأخبار الأمم والملوك، تجد منه ما تعرف وما تنكر، وما تصدق وما تكذب، وما يتناقض آخره وأوله، ولم يكن ابن عبد ربه من الغفلة بحيث يجوز عليه ما لا يجوز، ولكنه جامع أخبار ومؤلف نوادر، جمع ما جمع وألف ما ألف، ولكل ناظر في الكتاب بعد ما يأخذ وما يدع. ذلك كان شأنه وشأن المؤلفين في هذا الفن من قبله ومن بعده، على حدود متعارفة بينهم ورسوم موضوعة على أن ذلك لا يعني أن ما جمع من مثل تلك الأحاديث وهذه الأخبار ليس له مغزاه عند أهل الاختصاص والفن، ولكنها أشياء للاستدلال لا للدليل كما يقول أصحاب المنطق

ذلك هو موجز الرأي في التعريف بهذا الكتاب وقيمته فيما عرض له من أبواب العلم والأدب، وبقي علينا أن نعرف المصادر التي استند إليها ابن عبد ربه من الكتب والرواة

يقول ابن عبد ربه في مقدمته: (وقد ألفت هذا الكتاب، وتخيرت جواهره من متخير جواهر الأدب ومحصول جوامع البيان، فكان جوهر الجوهر ولباب اللباب، وإنما لي فيه تأليف الاختيار، وحسن الاختصار، وفرش لصدر كل كتاب؛ وما سواه فمأخوذ من أفواه العلماء، ومأثور عن الحكماء والأدباء

<<  <  ج:
ص:  >  >>