للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومن دينه، وصدوا عن دعوته جهد طاقتهم. فما مد إليهم يوم الفتح والقدرة يداً بعقاب، ولا جازاهم بما فعلوا ولا بأقل مما فعلوا، بل عفا عنهم عفواً عاماً شاملاً وكان أكبر أعدائه أعظمهم نصيباً من عفوه ورحمته. قال: يا معشر قريش ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيراً. أخ كريم وابن أخ كريم. قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء. وفر صفوان بن أمية أعدى أعدائه خوفاً من ذنبه ويأساً من العفو، فأرسل وراءه النبي من يؤمنه وأعطاه عمامته أمارة الأمان. فلما طلب منه أن يجعل له الخيار شهرين ليدخل فيما دخل فيه الناس أو يهاجر قال: أنت بالخيار أربعة أشهر.

ولما اجتمعت عليه قبائل هوازن بعد الفتح وأرادت أن تؤلب عليه القبائل وترد فتح مكة هزيمة خرج الرسول لحربها وكانت واقعة حنين التي لقي فيها المسلمون ما لقوا من الهزيمة أول الأمر ثم وثب الرسول وانحاز إليه أنجاد أصحابه حتى أنزل الله سكينته ونصره. فلما ظفر بالقوم وقد عظمت جنايتهم، جزاهم بالإساءة إحساناً وبالذنب عفواً. يقول الطبري:

أتى وفد هوازن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالجوانة وقد أسلموا فقالوا يا رسول الله إنما أهل وعشيرة، وقد أصابنا من البلاء ما لا يخفى عليك، فامتنّ علينا منّ الله عليك. فقام رجل من هوازن. . . فقال: يا رسول الله إنما في الحظائر عماتك وخالاتك وحواضنك اللاتي كنّ يكفلنك (يعني أنهم قوم حليمة مرضعة الرسول).

أمنن علينا رسول الله في كرم ... فإنك المرء نرجوه وننتظر.

فقال رسول الله: أبنائكم ونساؤكم أحب إليكم أم أموالكم؟ فقالوا: يا رسول الله، خيّرتنا بين أحسابنا وأموالنا؛ بل تردّ علينا نساءنا وأبنائنا فهم أحب إلينا. فقال: أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم. فإذا أنا صلّيت بالناس فقولوا إنا نستشفع برسول الله إلى المسلمين وبالمسلمين إلى رسول الله في أبنائنا ونسائنا، فسأعطيكم عند ذلك وأسأل لكم.

فلما صلى بالناس الظهر قاموا فتكلموا بالذي أمرهم به. فقال رسول الله: (أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم) وقال المهاجرون: (وما كان لنا فهو لرسول الله)؛ وقالت الأنصار: (وما كان لنا فهو لرسول الله). وقال الرسول: (أما من تمسك بحقه من هذا السبي منكم فله بكل إنسان ست فرائض من أول شيء نصيبه. فرُدَّ إلى الناس أبنائهم ونساءهم)

<<  <  ج:
ص:  >  >>