للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المفروض وإن كان لا طاقة لنا بإدراك ما فيه من الصور. قال: (أفرأيتم ما تُمْنوُن؟ أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون؟ نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين على أن نبذل أمثالكم وننشئكم فيما لا تعلمون. . .).

وما تحته خط هو موضع النظر الطويل، وباب للخيال المجَنَّح. . . ولكنه خيال مطموس الصور لأنه لم يجد أصباغاً وألواناً ينتزع منها ما يريد أن يؤلفه ويركبه ويَفتَنَّ في تهاويله.

وكيف ذلك وقد قالت الآية: (فيما تعلمون. . .!)

وينبغي لمن لم يدرك ألا ينكر على من أدرك. . . فإن جوانب الكون واسعة ورسالات علم الله إلى العقول كثيرة. . . وليست كل العقول قادرة على الغوص في أعماق الكون. كما أنه ليست كل الأجسام قادرة على الغوص في أعماق الماء. فمن لم يستطع السباحة والغوص في تلك اللجج والرجوع إلى الشاطئ فليلزم وليحذر حتى لا يغرق ويذهب في أهوال المعاني. . .

وما في العالم (المتبلور) (شيء تافه بالنسبة للعالم الذي تلتقي فيه أمواج المعاني ويعب عباب الفروض والغيوب والرموز، ولكن ما فيه لا يكون أساساً لأحكام الحياة الدنيا. . . وعقل الإنسان كطفل الأم: ينبغي إلا تطلقه في المخاطر والمزالق إلا إذا شب وكان له قوة واقتدار. . .

ومن المعقول نوع لا يعيش إلا في أعماق الكون. فإذا طفا على السطح وأخذ بظاهر الحياة اختنق وقلت فيه الحياة، كالسمك الكبير. . .

ومن العقول ما هو مساير لظاهر الحياة لا يتخلف عنها ولا يتقدم. . .

ومن المعقول ما هو واقف متخلف انقطعت به الطريق فلم يصل إلى العالم الفكري الموجود الآن في أذهان الأمم المتحضرة، وهذا عقل مخروم فاته كثير من رسائل الله إلى الفكر الإنساني.

ومن العقول ما هو أسرع من الحياة بحيث يرى مشاهد آخر ساعة فيها كصور مكررة قديمة لا تثير في نفسه تطلعاً، فلو خرج من الحياة لم يخسر شيئاً ولم يفته شيء، وهذا هو العقل الفائق السابق.

والنفس إذا عرفت قرار الحياة وأولها لم تبال بما يحدث في فروعها من تلون وتبدل، وما

<<  <  ج:
ص:  >  >>