للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بالشيء الهين. . . سل المصلحين قديما وحديثا ينبؤك أن إصلاح بني الإنسان من أشق الأمور. . وناهيك بالجوع الشديد الذي لابد لك أن تشقى به بضعة أشهر، تحرم فيها الطعام والشراب إلا قليلا. فلا يكون لك مندوحة عن أن تأكل من لحمك ودمك كما يفعل العشاق.

وعلى ذكر العشاق، لقد هممت أن أقترح عليك العشق علاجا شافياً مما ألم بك، فلقد يزعمون أن الهوى باعث على النحول والانضمار. - خصوصاً إذا بلغ المرء فيه مرتبة الشغف والهيام والوله - ولقد هممت أن أسألك أن تعشق لكي تكتسب النحول والرشاقة. ولكني راجعت نفسي وذكرت أن الحب لن يصيب أمثالك، فانه سيلقى من دون قلبك هذا السور المنيع من الدهن والدسم، الذي لا تنفذ منه سهام الحب، ولا تخترقه قنابل الغرام. . . وأي حب يحترم نفسه يرضى أن يسكن مثل هذا المنزل؟ إذن لم يبق بد من تلك الطريق الوعرة التي تساق إليها الساعة.

هذا وقد جعلت أتأمل فيما حولنا من الناس، فإذا هم مجموعة من الكائنات ما كنت أحسب أن في العالم حجرة تستطيع أن تضمهم جميعاً. قد كان عن يميني زنجي مفلفل الشعر أسود البشرة. وعن يساري رجل من المغول أفطس الأنف، أصفر الجلد مائل العينين؛ وكان هناك نساء ورجال. ليس فيهم من لم يرزق من شذوذ الخلق طرافة نادرة وتحفة عجيبة. وقد جاءوا جميعاً ينشدون (الإصلاح).

ولم يطل جلوسنا، حتى ذهبوا بنا إلى إحدى الحجرات، فإذا نحن أمام امرأة نصف، مليئة القوام، مستديرة الوجه، ضاحكة السن، قد قصت شعرها الأسود الحالك قصا محكما. بحيث أصبح رأسها المستدير أشد استدارة. ولم تكد ترانا حتى هشت لنا وبشت. وقالت: أما صاحبك فلست بحاجة لأن أسألك ما خطبه. . . وأما أنت فما أكاد أتبين ما تشكوه. . . لعلك تشكو اعوجاجاً قليلاً في الأنف. فان به ميلا يسيرا عن (السمترية). . . وعلاج هذا أمر هين. فان لدينا عدداً من الجراحين ذوي أيد صناع، لا هم لهم في الحياة غير تقويم ما اعوج من الأنوف. وتخفيض ما نتأ منها وما برز، ورفع الأفطس منها وإعلاء شأنه بين الملأ، ولقد يصادفون، في هذا السبيل عقبات لكنهم يتغلبون عليها، برغم أنفها. . .!

وأعجب شيء لدينا رجل من الصين ذو أنف شديد الفطس حتى لا تكاد تراه، وكأنما الناس قد اتخذوا وجهه مقعداً أو متكأ، وكنا أول الأمر عاجزين عن معالجته بما لدينا من الآلات،

<<  <  ج:
ص:  >  >>