للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

إسحاق بن إبراهيم. فعُدِل بي إلى ممر طويل فيه حُجُر متقابلة، تَفوح من جميعها روائح الطعام. فأُدخلتُ حجرة منها، وقُدِم إليّ طعام في نهاية النظافة وطيبِ الرائحةِ، فأكلتُ. وجاءوني بثلاثة أرطال فشربت، وأحضروني صندوقاً فيه طنابير، فاخترت طنبوراً منها وأصلحتُه على الطريقة، وأُخرجتُ من الموضع إلى حجرة لم أر أحسن منها، وإذا في مجلسها رجلان على أحدهما قباء ملجم وقلنسوة سمورية، وعلى الآخر ثيابُ خزّ وستارةٌ مضروبة. فسلمتُ وأمرتُ بالجلوس، فجلستُ. فقال لي صاحب السموّرية: عنّ، فتغنيتُ:

ما أراني سأهجرُ مَنْ لَي ... س يراني أقوى على الهجران

ملَّني واثقاً بحُسنْ وفائي ... ما أضر الوفاء على الإنسان

فغنيته فشرب رطلاً، ونقر الستارة وقال: غنّوه. فغنى الصوت أحسن غناء في الدنيا، وخِلْتُ أن البيت يرقص!. فقال لي: كيف ترى؟ قلت: والله يا مولاي بغضوا إلى هذا الصوت وسمّجوه في عيني. فضحك واستعادنيه ثلاث دفعات، فشرب في كل دفعة منها رطلاً. ثم قال: أتعرفني؟ قلت: لا، قال: أنا إسحاق بن إبراهيم، وهذا محمد بن راشد الخناق ووالله لئن ظهر حديث هذا المجلس منك لأضربنك ثلاث مائة سوط. قم، إذا شئت. فقمت من بين يديه، فلحقني الغلام بصرة فيها ثلاث مائة دينار فاجتهدت أن يأخذ منها شيئاً، فأبى.

وذكر عمرو بن بأنه قال: وجه إلي إسحاق بن إبراهيم في آخر النهار. . . فصرت إلى داره، وأدخلت عليه وهو جالس في طارمة ملبسة بالخزّ على دجلة، وقد انبسط القمر على الروشن وعلى دجلة، وهو من أحسن منظر رأيت قط، والمغنون جميعاً بين يديه. و (بذل) جالسة وراء مقطع في الطارمة. فلم يزل جالساً بموضعه ونحن بين يديه إلى أن نودي الفجر، فقام وقمنا. وقال لنا الغلمان: انصرفوا، فنزلنا إلى الشط ودعونا بسميرية فجلسنا فيها جميعاً، وقلت لهم: إن منزلي أقرب من منازلكم فاجعلوا مقامكم اليوم عندي ففعلوا و. . . في المنزل؛ فطلبت فيه شيئاً يؤكل فلم أجد: فأمرت بإحضار المائدة، فأحضرت فارغة، وطرحت في وسطها مائة درهم صحاحاً وقلت: يوجه كل واحد فيشتري له ما يريد. فما كان بأسرع من أن امتلأت بكل شيء. . . فأكلنا وشربنا، ومرّ لنا يوم طيِّب، وتفرقنا في آخر النهار، وفي قلوبنا غصص مما فعله بنا إسحاق، وما فاتنا من تلك الليلة الحسنة في ذلك الموضع الحسن. فمضيت بعد ذلك إلى (بذل) وسألتها عن السبب فيما فعله. فقالت: قد

<<  <  ج:
ص:  >  >>