للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جدتي العام بعد أن التمست الجواب عند الأمهات والزوجات والعاتقات فما اتفقن على رأي ولا عرفن شيئاً واحداً هو أحب ما يحب النساء: قيل لي أن النساء يعجبهن الملق والمداجاة؛ وقيل لي أحب شيء إليهن الحب والهوى؛ وقيل بل الزواج وقيل المرح والطرب؛ وقيل التكريم والثناء، وقيل البذخ والثراء؛ وقيل غير هذا وأنا لا أزال حائراً مضطرباً. فهل عندك الجواب وعندي لك كل حاجة تريدين قضاءها وكل مطلب مجاب؟) قالت العجوز: (أتقسم أن لي كل حاجة عندك مقضية؟) قال: نعم. وأقسم بشرفه ليفيَنّ لها بما وعد: قالت: (هلم معي إلى القصر) وأفضت إليه في الطريق بالجواب. فلما بلغا القصر عقدت الملكة مجلساً ومثل أمامها الفارس وقالت له: (حياتك رهن بالجواب عن هذا السؤال: أي شيء أحب إلى المرأة سواء أكانت عانساً أم بكراً أم زوجة) قال الفارس: (ليس أشهى إلى المرأة يا صاحبة الجلالة من السيطرة والسلطان تشتهي السيطرة على زوجها وعلى بيتها وعلى ثروتها وعلى ضيعتها وعلى كل شيء وكلهن في ذلك سواء. أنتن أيتها النساء تردن الحكم، تردن التحكم في جميع الناس، تردن أن يكون لكن الأمر وعلى الرجال الطاعة.) وما فرغ من إلقاء جوابه حتى أمَّن الحاضرات عليه وغشيت وجه الملكة حمرة لا تخفيها. وهنا برزت العجوز وصاحت: (أنا يا مليكة صاحبة هذا الجواب لقنته إياه بعد أن أقسم ليأتمرن بأمري ويجيبن مطلبي؛ وهاأنذا بحضرتك أتَنَجَّزه وعده، وما حاجتي إلا أن يتزوجني) شده الفارس لهذا المطلب العسير الفظيع، والتمس إليها الوسيلة للخلاص من وعده، وأخذ يغري هذه العجوز بالثروة والنشب فما أغنى عنه ماله وما كسب، وكرهت الملكة أن تكون هذه الشمطاء زوجة لفارس من فرسان القصر؛ ولكنها آثرت ذلك على أن يدنس الفارس شرفه فينقض عهده وينكث وعده وأمرته أن يتزوجها. وبنى بها الفارس مكرهاً في ليلة لم ير أسود منها. ولم يخف عليها حنقه وغيظه إذ قال: (ليت مصابي بك كان عند قبح وجهك وكبر سنك، ولكنه تجاوز هذا إلى خسة منبتك وضعة شأنك) قالت العجوز: (أهذا كل ما يؤلمك - ألا تعلم أن شرف المنبت وطيب الأعراق ليست إلا ثروة عتيقة موروثة، وماذا يغني عنك حسبك ونسبك؟ إن كان لك مجد تليد فالفضل فيه لمن كسبه من آبائك وأجدادك؛ وإن كان لك مال قد خلفوه لك واسم كريم قد ألصقوه بك واعتمدت على هذين في طلب المجد والشرف، فما أخيب مسعاك وما أبعدك عن بلوغ القصد. المجد والشرف لا يشتريان

<<  <  ج:
ص:  >  >>