للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يبغي رباً

للأديب لبيب السعيد

كان كغيره في القبيل يعكف على (نهم): يرجو رحمته ويخشى عذابه، ويتقرب إليه زلفى. . . وكان على سنة آله يسعى إلى معبوده بالقربان ويؤدي إليه بعض حقه، يدرأ بها غضبه، ويبتغي بها مرضاته!

كان في هذا على آثار آبائه مقتديا، ولكن شيئا من القلق كان يغمز على قلبه، ولكن جمرات من الشك كانت تلسع ضميره، ولكن أقباساً كانت تبدو لعقله حيناً بعد حين فتشعره أنه يخبط في ظلمات. . .

أهو الهدى يبدو له، أم هو الضلال توسوس به نفسه؟

وصبر أو تصبر. . .

وأتى يوماً إلى (نهم) يصب له لبناً، وإن فيه لإيماناً يمتزج بالشك، ونوراً وظلمة يتصارعان. . . على أنه قدم قربته المتواضعة خاشعاً، ثم أنصرف. . .

كانت نفسه تبتغي طمأنينة وهداية، فإما أن تعالج إيمانها بنهم، وإما أن تطرح هذا الإيمان طرحاً، لتؤمن إيماناً حقاً بإله لا ترتاب في أنه حق. . .

وحانت منه التفاتة عارضة لمعبوده، فما كان أبلغ دهشه! لقد رأى - ويا عجباً - كلباً يشرب اللبن المقدس، والمعبود مغلوب على أمره: أصم. . . أبكم. . . أعمى. . .

وتريث قليلا. . . فرأى الكلب وقد فرغ من اختلاس قربة المعبود العاجز يرفع رجله فيبول عليه!

أذلك مبلغ (نهم) من الحول والقدرة والعز؟ أهذه جلالته وذاك سلطانه:

ألا يا نهم إني قد بدا لي ... مدى شرف ببعد منك قربا

رأيت الكلب سامك حظ عسف ... فلم يمنع قفاك اليوم كلبنا

لقد تمرد فؤاده على الأيمان بالتمثال المهين، وقد بدا له ما كان يخوض هو وقومه من ضلال. . .

وسمعته أمه يسخر بإلهها وإله ذويها فهالها الأمر وأقبلت عليه غضبى تنبهه إلى فداحة جرمه وضلالة حكمه وهول زعمه مشفقة عليه من عذاب (نهم)!

<<  <  ج:
ص:  >  >>