للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المكتفي ومن بعده من الخلفاء طوال القرنين الثالث والرابع إلى قبيل منتصف القرن الخامس يهزمون ويهزمون، حتى دوخوا الدولة وشقيت بهم الناس، وعانت الدولة العباسية في سبيل قمع حركتهم جهدا كبيراً، وشغلوا بحركاتهم الهجومية جانبا عظيما من وقت الخلفاء فحشدوا لهم الجيوش يقاومون دعوتهم الجريئة وخروجهم عليه، وكثيرا ما انهزمت جيوش الخلفاء أمام جيوشهم واستماتتهم في الدفاع، وكم من غنائم ظفروا بها وأرواح أودوا بأصحابها، وكم من أسرى قتلوهم وصفدوهم بالأغلال. واظهر ما في تاريخهم في تلك السنوات العديدة أعمالهم الوحشية واتخاذهم القتل والتعذيب وسيلة إلى دعوتهم ونشر مذهبهم، وأشنع من ذلك اعتداؤهم على قاصدي بيت الله يقتلونهم ويسلبونهم أموالهم وينشرون الرعب في القلوب حتى قل زائرو الكعبة وانقطعوا عن الحج في بعض السنين، وقد سودوا صحيفتهم بالاعتداء على الحجر الأسود ونقله إلى أحد حصونهم حيث بقي فيه نحو اثنتين وعشرين سنة.

هذه الفئة التي أجملنا تاريخها إلى عام ٤٣٦ وفيه أوقع صاحب ما وراء النهر بجموعهم وكتب إلى سائر البلاد بقتل من فيها منهم والذي أسرفنا في إجماله حتى لا يمل القارئ من تفصيل الحروب وكثرة المواقع، هذه الفئة هي التي ازدادت شوكتها قوة وأمرها خطرا وسدرت في أعمال القتل والنهب وأمعنت في تعاطي الحشيش واستمرت خداع الناس وفتنتهم عن دينهم، وذلك بظهور الحسن ابن الصباح وتوليه زعامتها عام ٤٨٣ هـ فجعل منها عصابة سياسية مجرمة ديدنها أن تعيث في الأرض فسادا تقتل وتنهب وتقلق الوادعين. تلك هي طائفة الحشاشين في نهاية القرن الخامس الهجري وقبل أن نشرح أعمالها نتكلم عن زعيمها هذا وكيف وصل إلى زعامة القوم فهوى بهم إلى الحضيض الأسفل من الأخلاق والسلوك.

محمد قدري لطفي ليسانسيه في الأدب

<<  <  ج:
ص:  >  >>