للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[محمد عبده ومحاولته إصلاح الأزهر]

للأستاذ عثمان أمين

المدرس بكلية الآداب

للأزهر منذ إنشائه قصة طويلة، وله مهمة معلومة نيط به أداؤها. فلم يكن المقصود منه أن يكون مسجدا للعبادة، ولا أن يكون مدرسة للتعليم فحسب، وإنما أثر الأزهر في العالم الإسلامي وفي تكوين العقلية الإسلامية أثراً عميقاً يفوق أثر المساجد والمدارس والجامعات. من أجل ذلك كان إصلاح ذلك المعهد في نظر الشيخ محمد عبده من الأهمية بمكان عظيم، لأنه بمثابة إصلاح للأمة الإسلامية كلها.

توجه الشيخ محمد عبده إلى إصلاح الأزهر منذ كان مجاوراً فيه يتلقى على أستاذه السيد جمال الدين الأفغاني. وشرع في العمل لذلك أيام الخديو توفيق. ولكنه لم يستطع في ذلك الحين أن يدخل إلا بعض الإصلاحات الثانوية. ووجد محمد عبده، من البداية، في أكثر شيوخ الأزهر خصوصاً ناصبوه العداء. وأدرك حينئذ أنه لن يستطيع السير في حركة الإصلاح دون أن يظفر بتأييد الخديو والحكومة. ولكن الخديو توفيق لم يكن لديه استعداد لفهم التجديد المنشود، فلم ينظر إلى جهود الشيخ محمد عبده بعين العطف والرعاية. ولما جاء الخديو عباس الثاني - وكان قد تربى في أوربا - استبشر الناس بولايته ورأوا فيها فاتحة عهد جديد. وتقدم الشيخ محمد عبده إلى الخديو عباس وكاشفه بجملة رأيه في الأزهر، ورغبة في إصلاحه وتحويله من الحال التي كان عليها، وكان في ذلك الحين أشبه بتكية من التكايا أو ملجأ من الملاجئ، يأوي إليه العجزة والفقر، وأهل الكسل والبطالة.

ويمكن أن نلخص رسالة الأزهر كما تراءت حينئذ للشيخ محمد عبده في الأمور الآتية: أن يكون مدرسة جامعة بالمعنى الصحيح يتلقى فيها الطلاب العلم الصحيح الذي يعدهم لأن يكونوا رجالاً عاملين، فيكون منهم لمصر وللإسلام قضاة ذوو نزاهة، وأساتذة باحثون، وعلماء متخصصون، ومرشدون مخلصون يعملون على بث الآراء الدينية الصحيحة، والمعاني الأخلاقية السليمة، ومكافحة الخرافات، والقضاء على البدع والأباطيل.

وكلف الخديو الشيخ محمد عبده أن يضع مشروعاً للإصلاح فشكل الشيخ لذلك (مجلس إدارة) من أكابر علماء المذاهب في الأزهر وجعل هو وصديقه الشيخ عبد الكريم سلمان

<<  <  ج:
ص:  >  >>