للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الوزير فرأى في الحال بمهارة رجل الدولة الفائدة التي تجنى من إنشاء هيئة تضم رجال الادب، يجيزها أمر ملكي وتكون تحت رعايته، فيضع بذلك يده القوية على جميع العقول الكبيرة في فرنسا كما كاد يضعها على النبلاء والعظماء. وقد تم له ما أراد وصدر الأمر الملكي في عام ١٦٣٥.

اتجه نظر ريشيليه إلى كورني كما قلنا، ورآه جديراً بالعمل معه في تصنيف قصصه المسرحية، فعرض عليه رغبته في الانضمام إلى (جماعة المؤلفين) وكانت مكونة من أربعة أشخاص يكتبون باسم الوزير. قبل كورني ذلك لانه شعر بالحاجة إلى عضد قوي يعبد له الطريق، واندمج في هذه العصبة الصغيرة، ولكنه كان حريصا على الاحتفاظ بكنوز عبقريته لنفسه.

وفي أحد الأيام طلب إليه الوزير أن يضع الفصل الثالث لإحدى قصصه وفقاً للخطة التي رسمها له فلم ويوافق كورني على هذه الخطة، ودهش الوزير من جراته واسترد منه شرف العمل معه، وقال عنه: (ليس فيه روح العمل برأي غيره!) أي ليس فيه روح الخضوع والذلة.

نالت هذه الصدمة من نفس كورني منالاً كبيراً فعاد إلى روان ليجد بين أحضان أسرته متلمسا من ألم الفشل، واعتزم العدول عن التأليف المسرحي وهجر الشعر. ثم قابله ذات يوم مصادفة كاتب سر قديم للملكة (ماري دي مدسيس) يسمى (شالون) فنصح له بأن يدرس بإمعان شديد المسرح الأسباني، ولفت نظره إلى موضوع (السد) وكان قد عولج في أغان وطنية إسبانية وفي قصتين من نوع التراجيدي: أحدهما (لدون جوان ديامانت) والأخرى (لجيلهم دي كاسترو).

قرأ كورني القصتين، وخلال غرابة التركيب وضعف الأسلوب استخلص حدثاً درامياً، ومواقف رائعة، وأفكار خلابة: استخلص من التراب تبراً نقياً، فوضع أول قصصه الخالدة وهي (السيد) المشهورة، اول درة في تاج المسرح الفرنسي في عام ١٦٣٦.

وقد أثارت هذه القصة في نفس ريشيليه الغيرة والحسد، ولكن كورني تعزى بتصفيق الإعجاب الذي ناله من فرنسا كلها، وبلغ من نجاح هذه القصة أن اصبح الناس يقولون: هذا جميل كالسيد. وانتشرت هذه الجملة حتى عدت من الأمثال العامة. وقد سخر (بوالو)

<<  <  ج:
ص:  >  >>