للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

إفراطه في العمل وإجهاده القريحة والعجلة في التأليف، لانه كان في حاجة شديدة إلى المال بعد ما استنفذت تربية أولاده كل موارده المالية. ولكن الحقيقة انه كبر ومالت قوة ذهنه إلى الاضمحلال والركود. يدل على ذلك قوله: (شعري ذهب مع أسناني) نعم استطاع هذا الشعر أن يستريح بعد كثير من الآثار الخالدة التي تقص على القرون غرام رودريج وبطولة هوارس ورحمة أغسطوس واستشهاد وبوليكت. وفي الوقت الذي بدء فيه نجم كورني بالافول، كان نجم راسين يعلو ويسطع ويزدهي الناس إعجاباً وطرباً. وفي عام ١٦٧٠ عرضت هنرييت أخت زوج لويس الرابع عشر على كورني ان يضع تاريخ (برينيس) في قصة تمثيلية. وكان راسين فيالخفاء يراجع هذا الموضوع وهي تعلم ذلك. وأخرج الشاعران القصة في وقت واحد فنجحت قصة راسين نجاحا كبيرا وسقطت قصة كورني سقوطا مروعاً وفي عام ١٦٨٣ باع كورني منزله في روان إذ استبد به العسر. وكان لويس الرابع عشر قد قرر له معاشا سنويا قدره ٢٠٠٠ دينار بعد وساطة الشاعر شابلان ذي الحظوة لدى الملك. ودفع هذا المعاش بغير انتظام ثم الغي. وقد شعر (بوالو) بحالة كورني فقابل الملك ورجا منه أن يدفع المعاش للشاعر المسكين بانتظام فقبل رجاءه. ومن حسن حظه انه مات في ليلة أول أكتوبر عام ١٦٨٤ بعد أن ذاق مرارة الفاقة في شيخوخته، والشقاء هو الفدية الضرورية للعبقرية.

وقد قام مجمع العلماء بنفقات دفنه، وكان مديره إذ ذاك القسيس (دي لافو) ولا تنتهي مدة عمله إلا في أواخر أكتوبر من ذلك العام. وجرت العادة ان يؤبن مدير المجمع، العضو الذي يموت. وكان راسين هو الذي سيعين مكان القسيس ولذلك حدثت بينهما مشادة إذ كان كلاهما يريد أن يحظى بهذا الشرف. وتمت الغلبة في النهاية للقسيس. ثم عين (توما كورني) عضواً في مجمع العلماء بعد موت شقيقه، فأهتبل راسين هذه الفرصة وأثنى أجمل الثناء على ذكرى منافسه العظيمة. وان خطبته في ذلك المقام لهي فخر لعبقرية الميت وكرم الحي. وسنذكر نبذة من هذه الخطبة القيمة عند الكلام عن حالة المسرح الفرنسي قبل كورني.

مكانته ومواهبه ومذهبه

كان حساد هذا الشاعر العظيم كثيرين. فلما مات لم يروا فيه غير الشاعر العبقري الذي

<<  <  ج:
ص:  >  >>