للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

خلق أروع القصص، وجاءهم بآيات في البلاغة بينات، ووضعوه في مكانة أعلى من المكانة التي كان يشغلها أيام مجده. ومن الغريب أن مدينة روان لم تقم تمثالا لأشهر أبنائها إلا في عام ١٨٣٤!

وكان معاصروه من كبار الأدباء لا يستطيعون إنكار قوة ذهنه وعذوبة شعره ومتانة قصصه. ومنهم لابرويير وبوالو ومدام دي سيفنييه. وهذه كانت تصيح في كل مجلس قائلة: (ليحيى صديقنا القديم كورني! إن كتبه آثار أستاذ لا يجارى ولا يقلد! إنها الذوق السليم نفسه!). وكان هو نفسه يؤمن بعبقريته ويتحدث بها في عزة الرجولة وصراحة كريمة تفضل التواضع المصطنع الذي لا يخدع أحدا ولا يخفى ما وراءه من زهو خلق. وقد بقي وفيا لخلقه المزيج من البساطة والكرم والخجل والشجاعة والوداعة والسمو، حتى استوفى أنفاسه.

ونستطيع أن نقول أن كورني قلب كبير ونفس جميلة. والدليل القوي على ذلك هو ما تركه لنا من الآثار الجليلة، وكل العواطف السامية التي يجدها القارئ في قصصه، مصدرها قلبه ونفسه ليس غير.

كانت الأخلاق في عصره هابطة، والبطولة نادرة؛ فلما جاء عمل على إيصال القليل من حرارة الشعلة التي تحركه إلى خمود معاصريه، فتنبهت قلوبهم وهبت تخفق على توقيع ألحانه.

يقال دائما أن الشاعر لا يصور إلا معاصريه، وان كورني استمد موضوعاته من العادات والأخلاق التي كانت تحت بصره. هذه قاعدة صحيحة بالنسبة للاخرين، ولكنها لا تنطبق على كورني لانه كان يصور الناس كما يجب وكما لا يجب ان يكونوا، أي كان يصورهم على طراز نفسه العالية.

ومن يقرأ كتب هذا الشاعر يجد أن الرغبة في جعل الإرادة تتغلب على كل الصعاب والعقبات من عناصر البلاغة الخاصة بكورني، ويجد أن أبطاله سواء أكانوا يريدون قهر أنفسهم أم قهر غيرهم، يبذلون جهدهم في إقامة الدليل الذي يبرر إرادتهم وعملهم. وهم يشرحون حساسيتهم في شعر له نغمات الناي الساحرة، ويعبرون عن أرادتهم في لهجة خطابية. ولذلك يلذ لهم الحوار الطويل والمنطق السليم الذي يؤرث إرادتهم الخائرة،

<<  <  ج:
ص:  >  >>