للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عمروا وعمر الناس. . .

من يصدق أن أوربا البانية العالمة المعمرة المخترعة العابدة للحياة، الساعية الجاهدة في سبيل الكشف والمال والاختراع، الباحثة المنقبة عن خبايا الأرض وركازها، الرائدة الكاشفة عن مجاهلها، المبشرة بالمثل العليا بين الأجناس المتخلفة، القاضية على تجارة الرقيق، الحاملة للتجارات والمعلومات، الواصلة بين أقطاب الأرض صلة اللاسلكي والراديو والتلفزيون، المرسلة (المبشرين) لتحرير الناس من الوثنية، الدارسة للأنواع والأجناس. . . هي هذه المخربة المدمرة الباطشة بطش النمور والأسود، القاسية على النساء والأطفال والضعفاء، المفتنة في رسائل الآلام، الهدامة للدور، المحيلة عمار المدن إلى خراب القبور؟!

الأجسام العاجية الجميلة تذوب وتصهر وتسحق عظامها وجماجمها تحت أثقال الحديد والجلاميد. . .!

الوجوه المشرقة البيضاء ذات العيون الزرقاء والشعور الذهبية ذهبت قرابين تأكلها النار باختيارها

مسكينة! طافت في جميع بقاع الأرض تجمع الذهب الأصفر والذهب الأسود والحديد، ثم أوقدت على الجميع في النار واحترقت معه!

جمعت في أنانية وجشع واعتزاز واعتزام. . . لا لتملأ البطون الفارغة، وتكسو الأجسام العارية، وتعين أبناء الحياة على نوائب الحياة، ولكن لتملأ أفواه المدافع وبطون المقابر. . .!

خلاصة الإنسانية العاملة المجاهدة المتاجرة المخربة العالمة. تحترق الآن على مشهد من الزنوج والإسكيمو!

الحياة تتحطم بأيدي بنائها ومقيمي صروحها العالية وجامعي مواد بنائها من لحومهم وعظامهم ودمائهم وذهبهم وحديدُهم ونور عيونهم في المعامل والمعاهد!

الغادة اللعوب الفاتنة ذات المساحيق والأصباغ والعطور والأزهار واللؤلؤ والديباج (والمونوكير) تتكشف عن العجوز الشوهاء الدرداء المريضة الرسحاء العجفاء ساكنة الكهوف والمغارات، الضاربة على الدف لشن الغارات!

<<  <  ج:
ص:  >  >>