للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الفرد هو الحجر الأول]

في بناء المجتمع

(ما رأي الأستاذين الكبيرين الزيات والعقاد في موضوع هذا

الحديث؟)

للدكتور زكي مبارك

منذ ليال وقفت في جمعية الشبان المسيحية ألقي محاضرة في تشريح آراء الدكتور طه حسين، وألقى السامعون طوائف من الأسئلة فأجبت عنها بحذر واحتراس، لأن أغلبها انصب على نقطة دقيقة متصلة بالرأي الذي أعلنته في معالجة أمراض الفقراء من صناع وعمال وفلاحين، ولكن الاحتياط الذي التزمته في الإجابة عن تلك الأسئلة لم يمنع من أن يصرخ جماعة من الحاضرين: يسقط عدو الفلاح! يسقط عدو الفلاح!

ولم يؤذني هذا الصراخ؛ لأنه صدق في صدق، فأنا عدو الفلاح الكسلان، وسأمضي في معاداته إلى أن ينظر في نفسه فيعرف نعمة الله عليه، ويدرك أن من الخطر أن يسمع أقوال المرائين الذين يتقربون إليه بأساليب دميمة ستشقيه وترديه، لأنها تصوب إلى هدف واحد: هو إقناعه بأنه يعيش عيش الأشقياء، مع أنه في حقيقة الأمر أسعد السعداء. وكيف يحرم السعادة وهو أول منتفع بثمرات الأرض، وأخر من يحمل هموم الكساد عند اختلال الأسواق؟

الفلاح سعيد، سعيد، سعيد، على شرط أن يسد أذنيه عن أقوال من يرون في التوجع لشقائه المزعوم وسيلة للظهور بمظهر الغيرة الوطنية، والوطن برئ ممن يزعزعون ثقة الفقراء بالأغنياء. الوطن برئ من جميع الذين يحاولون زعزعة يقين الفلاح بأن لجماله الحق صورة واحدة: هي تلويح وجهه وتشقق قدميه بسبب الجهاد في استخراج ثمرات الأرض: الأرض الجميلة التي لا ترضي من عشاقها بغير الكفاح الدائم والكدح الموصول؛ ولن يكون الفلاح سيد هذه الأرض إلا يوم يتخلق بما تخلق به أجداده الشرفاء. وقد كان أجدادنا يبغضون التأنق ويتفاخرون بالتقشف ويتبارون في الاخشيشان، ليصح انتسابهم إلى الأرض التي لا يسود فيها غير من يملكون القدرة على التصرف بالفؤوس والمحاريث

<<  <  ج:
ص:  >  >>