للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وكيف وأغنياء مصر كانوا أسبق الناس إلى داعي الوطن والدين؟

وما الموجب لأن نضطهد أغنياءنا بغير حق، وكان يجب أن نفرح بنعمة الله عليهم، وإن نسأله حمايتهم من التعرض للآفات التي تقضي على النعم بالزوال؟

ما رأيت رجلاً غنياً إلا فرحت وطلبت له المزيد، ولا رأيت رجلاً فقيراً إلا حزنت وسألت الله أن يجعل له من بعد عسر يسراً

فما ذنبي إذا كان الله فطرني على هذه السجية؟

ما ذنبي وأنا ادعوا قومي إلى التعاون الصادق بين الفقراء والأغنياء، ليظل الوطن في أمان من النزعات المجلوبة على أيدي جماعات من الأجانب لا يسرهم إلا أن يرونا جميعاً في تأخر وتقاتل وانصداع؟

وأرجع إلى جوهر الموضوع فأقول:

حين يصبح لكل فرد شخصية خلقية تضمن منفعتين صحيحتين: الأولى شعور الفرد بقوة الذاتية فتصبح كلمة (الرعاع) بلا مدلول، وينعدم التعادي بين الأفراد، التعادي المسبب عن انعدام الإيمان بتنويع المزايا والمواهب؛ ولو آمن الناس بأنهم خلقوا مختلفين في الوجوه والغرائز والطباع لغرض صحيح هو تجميل صورة الوجود لأقلعوا عن مساوئ كثيرة مردها الثورة الآثمة على اختلاف المصاير والحظوظ، فلا يوجد منهم من يوازن بين الوزير والكناس، كأن الكناسة عمل حقير، وكأن مزاوليها حقراء، مع انهم يؤدون خدمة نافعة لا يغض من شأنها إلا غافل أو جهول

أما المنفعة الثانية من منافع الشخصية الخلقية فهي الإقبال على أعداد النفس لجلائل الأعمال، بدون اعتماد على الحكومة أو المجتمع

وأخاطر بالمشي فوق الشوك فأقول:

صح عندي أن أضعف الناس إرادة وعزيمة هم المحميون بالحكومة أو المجتمع؛ فالأقليات في جميع البلاد يفزعون إلى أنفسهم فيعيشون أقوياء وسعداء، لأن شعورهم بالعزلة يوحي إليهم فكرة التسلح ضد الفقر والضعف، وما اعتمد إنسان على غيره إلا باء بالخذلان

عيب الفرد هو اعتماده على المجتمع واحتماؤه بالقوانين، فقد شلت من الإنسان مواهب كثيرة منذ اليوم الذي اطمأن فيه إلى أن له عصبية تنصره وحكومة تحميه. . . وأنا أدعو

<<  <  ج:
ص:  >  >>