للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الحبوبي

نحن أمام ديوان طبع في بيروت سنة ١٣٣١هـ ١٩١٣ م على نفقة الحاج عبد المحسن شلاش، والشاعر هو السيد محمد سعيد حبوبي (أشعر شعراء الشرق أمس وأكبر علمائه اليوم) كما كتب في صدر الديوان، فمن هو بين الشعراء والعلماء؟ إن العبارة التي رقمت على صدر الديوان تشهد بأن الرجل واجه لونين من ألوان الحياة الفكرية، فعاش أولا للشعر، ثم أنقطع للعلم، وبذلك طغت شخصيته العلمية على شخصيته الشعرية؛ فإن انتهى بنا البحث إلى القول بأنه كان من الطبقة الثانية أو الثالثة بين الشعراء فسيصدق أقوام حين يقولون بأنه كان في صدر الطبقة الأولى من العلماء، وهل من القليل أن يسمو العلم بالحبوبي فيحفظ له ضريحاً في رحاب الحرم الحيدري بالنجف؟

ولكن كيف هجر الحبوبي حياة الشعر وانقطع العلم والتعليم مع ذلك الحظ من الفطرة الشعرية؟

يرجع السبب فيما أفترض إلى الرغبة في التفوق، وكان الحبوبي يعرف في سريرة نفسه أن طاقته العلمية أقوى من طاقته الأدبية. وفي المقدمة التي كتبها الشيخ عبد العزيز الجواهري لديوان الحبوبي عبارة تشهد بأنه كان مفهوما أن الحبوبي لا يقدر على مسايرة شوقي وحافظ وزناتي وصبري، وهم شعراء وصلت قصائدهم إلى العراق في ديباجة مصقولة لم يسبق لها نظير في الشعر الحديث، ولا تسهل محاكاتها على رجل يعيش في بيئة تأخذ زادها الأعظم من أقوال النحاة وقضايا الفقه والأصول

على أنه لا موجب للتكلف في البحث عن الأسباب التي قضت بانتقال الحبوبي من ميدان الشعر إلى ميدان التدريس. فالرجل فيما يظهر كان يميل إلى إيثار الحياة العلمية، وكان الناس من حوله يطيب لهم أن يروه من أعاظم العلماء، إن صح أن البيئة التي سكن إليها وسكنت إليه كانت تملك صرفه عن الانخراط في سلك أكابر الشعراء، لو أرادت به شياطين الشعر غير ما يريدون!

والواقع أن البيئة التي أحاطت بالحبوبي كانت ترجو أن يظفر بأعظم الحظوظ من الشاعرية، ولكن الرجل عرف ما يملك من الطبع، فلم يجاوز ما يطبق إلى ما لا يطبق، وإن أثقله محبوه بأضخم الألقاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>