للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أسباب، كما أن الغنى عافية ولكل عافية أسباب).

وهو قال: (عندنا نحن أن الفقر داء كسائر الأدواء، يصيب المريضَ به من إهماله كما يصيبه من ضعفه الموروث، ويصيبه من الحيطة إذا جرى مجرى الوباء الذي تنتشر عدواه، كما يصيبه مع ترك الحيطة في هذه الحال وفي غيرها من الأحوال).

والطريف في هذه الكلمة هو النص على أن مرض الفقر قد يصيب أهل السعي في طلب الرزق إذا جرى الفقر مجرى الوباء، وليس هذا مما نحن فيه، ولكنه ينفع حين يجب العطف على من سُدَّت في وجوههم المسالك لأسباب يعجز عن دفعها أهل الأمانة والاجتهاد.

وأنا قلت: (إن الغنى يشهد لأهله بقوة الأخلاق الاجتماعية والمعاشية، وإن الأغنياء عِماد المجتمع، وبفضل قدرتهم على تدبير المال يرجع الفضل في تجميل الوجود).

وهو قال: (لست أنا ممن ينكر فضل البراعة المالية، لأنها في الحقيقة براعة لازمة لتأسيس المرافق الاجتماعية والأخلاق القومية، وتنظيم العلاقات، واستثارة الهمم، وتوزيع الأعمال التي لا يستبحر بغيرها عمران).

وأنا قلت: (إن التغرير بالفقراء ودعوتهم إلى انتظار أنصبتهم في أموال الأغنياء قتلٌ للمواهب الإنسانية، وإن الحزم يوجب أن تذكرهم في كل وقت بأن الغنى لا يوهَب وإنما هو ثمرة الكدح الموصول في طلب الرزق الحلال).

أما الأستاذ العقاد فيقول: (إن الأمان كل الأمان، خطر على الهمم والأذهان، فإن كثيراً من الجهد النافع مبعثه طلب الأمان في المستقبل، وشعور النفس بالحاجة إليه في أخريات الحياة. فإذا اطمأن إليه كل حي من بداية حياته فترت حركته وغلب عليه حب الاستقرار، ومُنِيَ العالم بخطر من جراء ذلك هو أخطر عليه من الإجحاف في تقسيم بعض الأعمال وتوزيع بعض الأرزاق).

ومعنى هذه العبارة أن بعض منافع الدنيا مدين في وجوده إلى ما يستشعر الناس من الخوف، وأن انعدام الخوف قد يكون أخطر على العالم من الإجحاف في تقسيم بعض الأعمال وتوزيع بعض الأرزاق.

وكذلك قلت، فقد صرحت بأن استنامة الفقراء إلى ما قد يوزَّع عليهم من أموال الأغنياء

<<  <  ج:
ص:  >  >>