للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[في الاجتماع اللغوي]

اللهجات العامية الحديثة

تجردها من الإعراب

للدكتور علي عبد الواحد وافي

أستاذ الاجتماع بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول

- ٣ -

تمتاز اللغة العربية بأنها أوسع أخواتها السامية جميعاً وأدقها في قواعد الصرف والنحو.

فمن مميزاتها الصرفية أن الأصل الواحد يتوارد عليه مئات من المعاني بدون أن يقتضي ذلك أكثر من تغيير في حركات أصواته الأصلية نفسها مع زيادة بعض أصوات عليها أو بدون زيادة، وأن كل ذلك يجري وفق قواعد مضبوطة دقيقة نادرة الشذوذ (عَلم، علِمنا. . . يَعلم، نعلم. . . إعْلم، إعلمي. . . أعلم، نعلَم. . . عَلّم، نُعلِّم. . . تَعلّم. . . تَعالَم. . . عُلم، يُعلَم. . . عِلمٌ، علم، علامة، علوم، أعلام، علامات، عالم، عليم، علامة، علماء، عالِمون. . . متعلِّم، متعلّم، معلَم، معلّم، معلِّم، معلوم، عالَم، عالَمون. . . الخ). ولم تصل أية لغة سامية أخرى في هذه الناحية إلى هذا الشأو. . . ومن ذلك أيضاً نظام جمع التكسير الذي لا تشاركها فيه إلا أختها الجنوبيتان (اليمنية القديمة والحبشية)؛ فقد توسعت هي في استخدامه توسعاً كبيراً، حتى أصبح للمفرد الواحد فيها عدة جموع من هذا النوع

ومن مميزاتها النحوية تلك القواعد الدقيقة التي اشتهرت باسم قواعد الإعراب، والتي يتمثل معظمها في أصوات مد قصيرة تلحق أواخر الكلمات لتدل على وظيفة الكلمة في العبارة وعلاقتها بما عداها من عناصر الجملة. وهذا النظام لا يوجد له نظير في أية أخت من أخواتها السامية، اللهم إلا بعض آثار ضئيلة بدائية في العبرية والآرامية والحبشية.

وقد ذهب بعض الباحثين إلى أن هذه القواعد المتشعبة الدقيقة، وخاصة قواعد الإعراب، لم تكن مراعاة إلا في لغة الآداب شعرها وخطابتها ونثرها؛ أما لهجات الحديث فكانت من أقدم عصورها غير معربة، أو على الأقل لم يكن لقواعد الإعراب فيها ما كان لها في لغة الآداب من شأن، واستدل على رأيه هذا بأدلة كثيرة أهمها دليلان:

<<  <  ج:
ص:  >  >>