للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عاد الأستاذ الأكبر المراغي إلى منصبه بعد الثورة الأزهرية المعروفة، وترقب الناس جميعاً أن يتم من آيات الإصلاح ما بدأ، وان تعود إلى الأزهر روح (المراغية) القوية التي كانوا يعهدونها من قبل، وان تتلاحق في كتاب الأزهر الخالد - بعد مقدمته التي كتبها في عهده الأول - فصول مشرقة الصفحات، واضحة الأغراض، سليمة الأساليب والمعاني، ولكن الأيام توالت، والشهور تتابعت، والأعوام تلاحقت، ولو شئت لقلت أن حالة من الانتكاس قد أصابت الأزهر، وأن ريحاً من رياح الفناء توشك أن تهب عليه فتعصف به، ولكني لا أحب أن أقول ذلك، وإنما احب أن التزم القصد في التعبير فأقول: أن الناس لم يروا من الإمام ما كانوا يرقبون

هذه هي الحركة الفكرية في الأزهر قد سكنت ريحها، وخبت جذوتها، وما زال الأزهر عاكفاً على كتبه يدور بها حول نفسه، ويفني فبها زهرة شبابه، وينقطع بها عن الناس، فليس له اشتراك ذو قيمة في التشريع العملي للبلاد، وليس له صلة محترمة بأوساط العلم والثقافة، وليس له نشاط في إخراج كتب علمية أو أدبية كما يخرج الناس، وليس لمجلته أي اثر في توجيه العقول والأفكار، وإن كان لها في تشجيع الخرافات والأوهام!

وهذه هي الحركة الدراسية في الأزهر، تشكو من تهاون الرؤساء وطغيان الطلاب، وعدم قراءة المقررات، وضعف المستوى العلمي ضعفاً يشغل البال، ويغلق الأفكار

فما هو السر في ذلك كله؟

إن الذي يلي شئون الأزهر رجل مؤمن بفكرته إيماناً يداخل قلبه ويخالط نفسه، ويملك عليه جميع مشاعره: فهو حين يخطب يدعو إلى الإصلاح، وحين يكتب يدعو إلى الإصلاح، وحين يدرس يدعو إلى الإصلاح، وحين يجلس إلى الناس يدعو إلى الإصلاح، أليس في كل هذا دليل على أن فكرة الإصلاح قد تغلغلت في نفسه وأثرت في تفكيره، ونطقت لسانه، وجرت قلمه، وانه حينما يدعو لها، ويحض عليها، إنما يلبي هُتافاً من نفسه، ووحياً من قلبه

ثم هو رجل لا يوزن وزانه في العلم والفقه وجودة النظر، له في ذلك بحث ومذكرات وآراء وقوانين وتوجيهات حقيق على تاريخ اعلم أن يخلدها، فليس كهؤلاء الدعاة الخلاة، أفئدتهم هواء وصيحاتهم أصوات طبول جوفاء!

ثم هو رجل في يده سلطان الأزهر، وتحت أمرته كل شيء فيه، وللأزهر استقلال يغبط

<<  <  ج:
ص:  >  >>