للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واحتفظ سمبر ايدم بصمته؛ وكان يبدو عليه السرور لمبارحته المستشفى دون أن يفوز منه الجراح بكلمة، وإن كان في الواقع لم يهتم بصمته أو بكلامه، وكل ما عمل أن اختبر رقبة المريض بدقة، فتحسس أثر التحام الجرح البشع الطويل متمهلاً كأنه أب يحنو على ولده. ولم يكن المنظر مريحاً، إذ كان يمثل خطاً يلف حول الرقبة ويختفي تحت الأذنين كما لو كان صاحب هذه الرقبة خارجاً من تحت حبل المشنقة

وصبر سمبر ايدم على هذا الاختبار كأنه أسد سجين، فكل رغبته أن يختفي عن أعين الناس. وأخيراً قال الجراح بكتل وهو يضع يده على كتف الرجل ويختلس نظرة أخيرة إلى صنع يديه:

- حسن! لن أحجزك. ولكن دعني أقدم إليك نصيحة صغيرة: عندما تحاول قطع رقبتك مرة ثانية ارفع ذقنك ولا تلقها إلى الأمام ثم اذبح نفسك كبقرة

ولمعت عينا سمبر ايدم علامة على أنه سمع وفهم؛ وبعد لحظة كان باب المستشفى يغلق خلفه

كان ذلك اليوم أحد أيام الجراح بكتل المليئة بالعمل، فلم يتح له أن يشعل سيجاره الكبير إلا بعد أن أوشك العصر أن ينتهي. وكان آخر حادث عرض عليه حادث رجل يجمع الخرق كسرت إحدى عظام كتفه. تخلص منه بسرعة وجذب نفساً طويلاً من سيجاره وأوشك أن يغادر طاولته، وما كادت رائحة الدخان وأشكاله البيضاء تنتشر في جو الغرفة حتى سمع صوت جرس إحدى سيارات الإسعاف السريعة يطن في أذنيه منبعثاً من نافذة الغرفة المطلة على الشارع، وتبعها دخول نقالة تحمل إنساناً جديداً

ووضع الجراح بكتل سيجاره في مكان أمين وقال: (ضعه على المشرحة. ماذا حدث؟)

فقال أحد حاملي النقالة: (حادث انتحار بقطع الرقبة في زقاق مورجان، وأعتقد أن الأمل ضعيف وأنه مات تقريباً)

(حسن سأراه على أية حال)

ومال الطبيب الجراح على الرجل في اللحظة التي اهتز فيها جسمه هزته الأخيرة وأسلم الروح. وما كاد كبير الممرضين يراه حتى قال: (إنه سمبر ايدم! عاد مرة ثانية)

فقال الجراح: (نعم ولكنه رحل. ولا فائدة هذه المرة فقد أتقن التنفيذ. نفذ نصيحتي حرفياً.

<<  <  ج:
ص:  >  >>