للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واحداً لاحتُمل، ولكن الكارثة عامة، والفاجعة طامة: أنه ولد وأولاد وآباء وأمهات، بيوت وأموال طغى عليها الدمار، فهرع أهلها فزِعين لاجئين يطلبون رحمة المحسنين المتصدقين

أيها السادة الأغنياء، رحمة بالتعساء الأشقياء! إنهم إخوانكم في الدين والوطن. حمّ القضاء، فما استطاعوا له رداً. فوجئوا بالدويّ والزئير، فإذا هم أشلاء تطير. صرخوا يسترحمون القضاء، فنفذ فيمن نفذ فيهم القضاء، وهوت الدور بساكنيها وهم في غمرة الذعر والذهول، وتطايرت الشظايا تهرأ اللحم وتنزف الدم، والآلام القاسية تتجاوب أصداؤها من حنايا الأجسام. ومن قدر له النجاة انطوى على نفسه لوعة وحسرة: فقد فقدَ العزيز والنفيس والتالد والطريف، هي في الحق كارثة يعجز القلم عن وصفها

فهل تقر أعيننا وتهدأ مضاجعنا؟ وهل نشعر بالطمأنينة والسعادة، وتتوفر لنا الغبطة والهناءة، وصراخ المنكوبين واصلٌ آذاننا، وبكاء الحيارى المشردين ماثل أمامنا؟! كيف نرقد على وثير الفراش ومِن إخواننا من يفترش الأرض؟ كيف ننعم بأطايب الأكل والشراب، وغيرنا يشقى بالجوع والخراب!

أيتها القلوب تفجري بالرحمة، أيتها الأيادي الكريمة فيضي بالإحسان!

لقد تمنوا الموت على حياة رخيصة عليهم بعد الأحباء، لقد تمنوه خشية البؤس والإملاق. مَن أحق بالرحمة من مجروح الجسم والفؤاد لا يجد آسيا لجسمه ولا مواسيا لقلبه؟ ما احرنا وقد وقانا الله شر ما ناله بألا نتوانى في مساعدته ولا نجحم عن إعانته! أنه القرض الحسن يضاعفه لنا الله ويدرأ عنا به الشرور.

إن البر هو الطائر الميمون إلى الجنة، به تغفر الذنوب وتمحى السيئات. رب لماذا قدرت على هذا البلد الآمن أن يحل به هذا الشقاء؟ إن شعبه قانع يملك هذه القطعة الصغيرة من أرضك. إنه بلد مضياف تنزله كافة الشعوب على الرحب والسعة يقاسمون أهله أرزاقه، ويستحلون نطاقه، بل يقاسمونه قسمة ضيزى: لهم الغنم وعليه الغرم

رباه! إلى متى يحلم الخالق ويطغى المخلوق؟

ألست أنت سبحانك جبار الأرض والسماء؟ أتترك من يعبث في الأرض فساداً، ويقول تكبراً وعناداً: أنا القهار الأعلى. رب رحمة بالبلاد والعباد، فأنت مالك الملك، تؤتي الملك من تشاء. لتكن رحمتك أو يحل الميعاد، فقد ذهب السلام من الأرض وتناحرت وحوش

<<  <  ج:
ص:  >  >>