للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

له ديارهم من عواصف الخلاف، ولكن الأخوة الأدبية توجب أن نواسي هذا الباحث المتعمق بكلمة عطف، وهي أقل ما نملك في التوجع لمصيره الحزين

لو كان الغيب مما يطلع عليه الناس لرأى قوم أن يسجن الأستاذ ساطع الحصري في مكتبته فلا يشترك في السياسة من قرب أو من بعد، لينقطع لأداء رسالته السامية في التربية والأدب والتاريخ، فله في هذه النواحي أبحاث تضعه في الصف الأول بين كبار المفكرين في هذا الجيل

ولكن الانقلابات العنيفة قد تخرج العلماء من وقارهم المنشود، وتسوقهم إلى معاطب لا يسلم معها أديم، ولا ينفع في دفعها علاج

هذه عبرة جديدة تسوقها الأيام لمن ألقى السمع وهو شهيد

وإن رأسي ليدور كلما فكرت في مصاير العلماء الذين تبلبلهم الحوادث فلا يعرفون إلى أين يتوجهون، وقد أحاطت بهم القواصف والأنواء

كان أسلافنا يدعون إلى الاعتكاف عند هبوب الفتنة، وما كان أسلافنا جبناء، ولكنهم كانوا يعرفون أن الفتنة تخبط خبط العشواء فلا تفرق بين العاصي والمطيع، ولا تدري أين تقع أخفافها الهوج الثقال

وأنا مع هذا قوي الأمل في رجعة الحياة الطبيعية إلى ربوع العراق، ويومئذ يكون من السهل على الحكومة العراقية أن تسمح للأستاذ ساطع الحصري بالعودة إلى البلد الذي خدمه بصدق وأمانة وإخلاص، فلن تكون جنايته السياسية أعظم من كفايته العلمية، ولن يكون في أشنع أحواله مجتهداً أخطأه الصواب

الحياد الأدبي

كانت الجرائد الإنجليزية شغلت بالتنفير من الحياد، فكانت تدعو جميع الأمم إلى إعلان الحرب على الألمان، وكانت هذه الدعوة تقع من بعض الناس موقع الاستخفاف، لأنها في نظرهم لم تكن إلا وسيلة من وسائل التحريض على الأمة الألمانية، والتحريض لا يقبل في كل حين

ثم دارت الأيام بالنحس على المحايدين، فهم كل يوم في بلاء جديد، ولو أنهم خرجوا على الحياد منذ اليوم الذي سمعوا فيه النذير الأول، لقهروا الألمان على الانسحاب من أكثر

<<  <  ج:
ص:  >  >>