للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

واستبدلوا بها أسفاراً بحرية أفادت الموانئ الطليانية فوائد جمة، لأن بحارتها أخذوا ينقلون على مراكبهم الجماهير لقاء أُجرة طيبة

لقد كانت وطأة الفرسان الصليبيين شديدة بسبب أسلحتهم ودروعهم وتروسهم وبسبب تمرنهم الطويل على أنواع القتال والمبارزة، فإذا ما خاض أولئك الفرسان حرباً أو موقعة فترت همتهم وضعفت شوكتهم واخذوا يشكون من حرارة الطقس ومن شدة بأس المحاربين المسلمين. وكانوا ينتهزون أول فرصة ليعودوا إلى بلادهم تاركين الفكرة الصليبية بين يدي أولئك الأمراء ذوي المطامع ورجال الدين الذين انتدبهم البابا لينفذوا أوامره ويشتركوا في وضع الخطط الصليبية والإقطاعية مختلفة

لقد ملك الصليبيون شواطئ سورية مع بيت المقدس والبلاد الفلسطينية ومقاطعة الكرك عبر الأردن وأنشئوا فيها مملكة بالقدس وإمارات ثلاثاً لاتينية إقطاعية في كل من طرابلس وإنطاكية والرها؛ ثم رحل معظم المحاربين إلى ديارهم ولم يبق منهم ألا آلاف قليلة مسلحة أخذت على عاتقها أمر الدفاع عن تلك الإمارات؛ وهؤلاء المدافعون هم أولئك الفرسان الذين ارتبطت منافعهم ومصالحهم بمستقبل البلاد الجديدة اللاتينية. وفي تلك الآونة ألف فريق من الرهبان الفرسان وهيئات دينية عسكرية وظيفتها خدمة الفرنج من الوجهة الصحية وتقديم المساعدات الحربية للدفاع عنهم وعن ممتلكاتهم وهذه الهيئات هي الهيكليون أو الداوية والاسبتاليون والتيوتونيون.

ومما تقدم يفهم أنه كان من السهل جداً على أي أمير مسلم يعرف واجباته ويقدر حرج موقف خصومه أن ينقض بجيش مدرب على أولئك الغرباء وأن يقذف بهم إلى لجج اليم ويخلص البلاد من أحكامهم الجائرة وقوانينهم القاسية؛ إلا أن شيئاً من هذا لم يحصل إلا بعد مضي نحو نصف قرن على امتلاك اللاتين للشطوط السورية.

وأول من تنبه إلى موقف الفرنج الضعيف هو عماد الدين زنكي صاحب الموصل حينئذ، فلقد شهر عليهم حرباً شعواء ظل لهيبها مستعراً نحو خمسين سنة، خاض غمارها هو نفسه مع جيشه المدرب بضع سنين، ثم مات مقتولاً، فخلفه في الجهاد ابنه نور الدين محمود ومن بعده صلاح الدين الأيوبي وانتهت هذه الحرب بظفر صلاح الدين الكبير وامتلاكه بيت المقدس.

<<  <  ج:
ص:  >  >>