للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الإنجليز والعمل]

(نقلا عن مجلة الشهر الفرنسية)

للأستاذ مصطفى كامل

يضرب المثل بالبرود الإنجليزي، ولكن النشاط الإنجليزي لا يقل ذيوعاً عنه. وكثيراً ما كان الشعب الإنجليزي في رأي الأجانب قليل الاكتراث، بطيئاً في التصميم، مفضلاً الاحتفاظ الشديد بعمله وراحته وعاداته اليومية على كل شئ آخر. مع أن هذا الشعب نفسه قد أدهش العالم مراراً بجلده في المشاق وإصراره الخارق وموارده المادية والأدبية التي لا تنفد، والتي يستخدمها في العمل بمجرد شروعه فيه. أخذ بعض الذين عيل صبرهم على الإنجليز أنهم يعبئوا بتوغل الألمان واستفزازهم في أوائل هذه الحرب؛ ولكن العالم كله اليوم يتحقق من إرادة هذه الحكومة وهذا الشعب التي لا تنثني أمام أية تضحية، وفي عدم ادخار أي مجهود لوضع نهاية لتهديد الريخ الثالث للأمم الشرقية ولمجموع العالم المتمدن. فكيف نوفق بين هذين النوعين من الوقائع؟ سنوضح أنهما غير متناقضين إلا في الظاهر

فلو أننا تأملنا الشعب الإنجليزي إبان العمل لأدركنا سر تصرفه في وقت الراحة. فاللغز هو أن العمل عنصر طبيعي للنفس الإنجليزية، فلا حاجة إلى كلمات بيانية، أو حركات خطابية لحثه على العمل. إذ أن النفس الإنجليزية لا تستطيع أن تتصور حياة بدونه، فالتصرف والعمل لهذه النفس ضرورة حيوية وليس نظاماً، ولهذا لم يكن النشاط المتوالي الذي يفيض منها مكتسباً أو زائفاً أو وقتياً؛ ولم يكن الهدوء والراحة في نظر الإنجليزي غير نتائجه المفيدة المرغوبة. ويجب الاعتراف بأن للإنجليزي سيطرة لا تجارى في العمل تعطيه مع غريزة الاستمرار والتضامن في الجهود، قوةً تجعل منه أثمن حليف وأنفع صديق

الصدارة في العمل

وليس أدل على أن الإنجليز شعب عمل من نفس اللغة التي خلقوها لاستعمالهم؛ فليست توجد لغة أوربية أخرى يهيمن (الفعل عليها بهذه الدرجة - أعني التعبير عن الحركة والفعل والنشاط - كما أنه لا توجد لغة لها مثل قدرتها على التعبير الدقيق عن النظام والأمر، وفي تصوير ما فعل أو ما يتعلق بما يفعل، يمثل هذا الإيجاز والوضوح

<<  <  ج:
ص:  >  >>