للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

مراحل الطفولة، فإن الوليد لا بد أن يأخذ عن وسطه المحدود كثيراً مما ندعوه بالعقد النفسية، تلك التي تتسرب إلى سريرة الطفل كأمراض داخلية تظهر عادة في أخلاقه وأعماله وفي طريقة تفكيره، وقد تندفع به إلى نوع خاص من الأجرام، وذلك أن سلسلة التفكير تصطدم بالعقد النفسية فيقف دون نموه الطبيعي ويضطر إلى اتخاذ طريق آخر معوج في النمو يوحي به ما ترسب في قاع النفس من عهد الطفولة. فالعقدة ليست إلا الشرك الذي تقع فيه حياتنا العقلية، وقد توحي بارتكاب الجريمة، وأي من وراء قناع من العقل الباطني تتوارى فيه الأبصار.

إن هذه العقد النفسية مهما كانت راسية في قرارة النفس، ولا تكاد تظهر إلا في ثوب مستعار تخفى فيه حقيقتها عن الأنظار فإن في الإمكان أن تصل إليها يد البحث العلمي بطريقة التحليل النفسي، حيث يهتدي بهذا الطريقة إلى العقد النفسية التي اعترضت حياتنا العقلية، وعاقتها عن السير في طريق تكاملها الطبيعي؛ ثم أخذت تظهر من حين لآخر في ضروب أخلاقنا وأفكارنا وأعمالنا، وكانت مصدر شذوذ في كثير من أولئك. وقد ظهر لدى البحث العلمي أن المرض يزول بالوقوف على العقدة التي فرضته وبهذه الطريقة يمكن إرجاع المصابين في حياتهم العقلية إلى حالتهم الطبيعية بعد أن تكون قد انحلت العقدة، وقضى على أصل المرض.

وظاهر مما سبق أن الجريمة قد تكون منبعثة عن تلك الرسائل الكهربائية التي تطلقها الغدد الصماء على متون الدماء فتتصل عن طريقها إلى أجهزة البدن كافة. وقد تكون وليدة العقد النفسية التي تصيب الحياة العقلية؛ وتورث من الأمراض ما قد تظهر آثارها في صورة ارتكاب بعض الجرائم.

فالمجرم لم يعد بعد كما كان من قبل مثال الرجولة والبطولة، والسجن لا يقوم على الرجال، وإنما يقوم على أشباه الرجال ممن أصيبوا في غددهم أو في نفوسهم، وكانوا أجدر بالمعالجة الطبية أو النفسية من الزج بهم في أعماق السجون

(بغداد)

حسين الظريفي المحامي

<<  <  ج:
ص:  >  >>