للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الانقلاب الجمهوري في إسبانيا]

١ - إسباني ما قبل الحرب

بقلم الأستاذ محمد عبد الله عنان

تعاني إسبانيا الجمهورية منذ قيامها أزمات ومتاعب متوالية، وتتعاقب فيها القلاقل والاضطرابات المختلفة. وقد استطاعت حكومة السينور ليرو الأخيرة التي قامت بعد أزمة وزارية طويلة أن تسيطر على الموقف نوعاً. ولكن استنادها إلى العناصر الفاشية والمحافظة يثير سخط الأحزاب الاشتراكية والمتطرفة ويذكى النضال الخالد بين الجبهة الثورية. وتتنازع إسبانيا فوق ذلك قوتان أخريان: هما قوة الملوكية، وقوة الكثلكة. وقد قامت الجمهورية الإسبانية الفتيه على أنقاض الملوكية والقوى الدينية التي تحركها. ولكن فلول الملوكية مازالت تنبث في إسبانيا وتعمل في الداخل والخارج لإثارة الصعاب في وجه الجمهورية، وما زالت قوى الكثلكة رغم انهيارها تحاول النهوض والعمل لاسترداد نفوذها وسلطانها. وما زالت الجمهورية قويه تقبض على ناصية الحوادث، ولكن الخلاف الذي يضطرم دائماً بين العناصر الجمهورية والحرة، وبينها وبين العناصر المتطرفة والثورية من جهة أخرى، يزيد في متاعبها ويعرضها لأخطار شتى.

قامت الجمهورية الإسبانية منذ ثلاث أعوام، في إبريل سنه ١٩٣١ نتيجة لنضال ديمقراطية ثائرة تضطرم منذ أعوام طويلة. ولكن الديمقراطية الإسبانية قديمة ترجع إلى اكثر من قرن. وقد ظفرت إسبانيا بدستورها الحديث سنة ١٨١٢، أثناء الحروب البونابارتية، وهو الدستور الذي وضعته جمعية وطنيه في قادس، ووعد فرديناند ملكها المنفي يومئذ باحترامه، ولكنه لما عاد إلى إسبانيا بعد ذلك بعامين على اثر انتهاء الحروب البونابارتية، عمل على توطيد الملوكية المطلقة وانتقاص الحريات والحقوق الدستوريه، فعاد الشعب الإسباني إلى الثورة في سنة ١٨٢٠، واضطر فرديناند إلى الاعتراف بالدستور كرة أخرى ن ولكنه لم يلبث أن عاد إلى انتهاكه، وعاونته الجنود الفرنسية التي أمده بها لويس الثامن عشر على تنفيذ سياسة الحكم المطلق. وكانت معظم الشعوب الأوربية تنزع يومئذ إلى الحركات التحريرية، ولكن الملوكيات القديمة لم تقف جامدة أمام هذه النزعة، ومنذ سنة ١٨١٥ عقدت المعاهدة المقدسة بين العروش الأوربية القديمة في روسيا، والنمسا، والمجر،

<<  <  ج:
ص:  >  >>