للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لم أر في مصر شيئاً يجب إخفاؤه عن رجل من أرباب القلوب؛ وإذا احتاجت مصر إلى الدفاع عن نفسها، فلن يكون ذلك إلا بفضل جناية الجمال على الجميل.

جمالُكِ فاتنٌ والحسنُ ذنبٌ ... لأهل الحُسنِ في شرع الذئِاب

فما شكواكِ من ظلماَء طالت ... وتلك جنايةُ المجد اللُّباِب

إن استباح السفهاء من أهل البغي أن ينالوا مصر بسوء، فسيكون لهم من وراء البغي ألوان وصنوف من غضب صاحب العزة والجبروت.

مصر التي لم يهتف بمثلها شاعر ولا كاتب ولا خطيب، مصر التي لم يتفتح الزهر في أرض أكرم من أرضها ولا أخصب، مصر التي لم يتخطر على ثرى ثراها أسرابٌ لا ترى مثلها العيون في شرق ولا غرب

مصر الجميلة الغالية ليس فيها ما يعاب، فمن حقي أن أطلع على خفاياها من يشاء، فإن صح أن فيها ما يشوك، فهو سواد الخال في الخد الأسيل

بكاء غريق الألطاف

البكاء محرم على الرجال إلا في مقامين اثنين: مقام الشوق إلى الله، وقام الحزن لفراق الأحباب. وللمقام الثاني صورة لا ينجيني من أطيافها المزعجات إلا تدوينها على القرطاس، فإن الإنشاء كالبكاء يخفف ما تعاني القلوب من لواعج وأحزان. وكيف نعيش لو حرمنا الخلوة إلى القلم من وقت إلى وقت، وقد أقفرت الدنيا من الصديق الذي ننفض بين يديه ما في صدورنا من أشجان وكروب؟

والصورة الآتية من صور البكاء تستحق التسجيل، فهي واضحة الدلالة على أن الأخوة العربية قد انتقلت من حال الشرح والتفسير إلى حال الذوق والإيمان. فما تلك الصورة من البكاء؟

في الأيام الأخيرة لإقامة الدكتور الجمالي بالقاهرة جدت

شواغل منعتني من الأنس بهذا الصديق الغالي، وهي الشواغل

التي تصحب افتتاح العام الدراسي، ومع ذلك عرفت أنه

سيغادر القاهرة في عصر هذا اليوم (١١٠٤١)

<<  <  ج:
ص:  >  >>