للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الحرب الإجماعية بسبب

وإذا كان العدوان أصل السادية فإن ذلك لا يعني أن تتطور هذه النزعة في اتجاه العدوان متضخمة. إذا تضخمت السادية كانت انحرافاً جنسياً. ذلك نعلمه بالتأكيد. وهفلوك إليس، وهو ممن أكبر ثقاة المسألة الجنسية، يرى أن (القتل الإجماعي بالحرب ليس طريقه اجتماعية غير ملائمة لدور الحضارة الحالية فحسب، بل إنه على اٌلإطلاق لا أساس له في العالم).

وارجح الرأي أن الدكتور ولاية يفرض أولاً أن الحرب شيء أزلي أو يتفق مع الطبيعة البشرية ثم يمضي ليجد الأسباب العلمية لهذا الغرض. ولما لم تكن الحرب في شكلها الحاضر شيئاً يتفق مع الطبيعة البشرية، ولا مع درجة الحضارة الراهنة للبشر، على أقل تقدير، فإن أية محاولة لإقامة هذه الظاهرة - الحرب - على أساس علمية تكون اصطناعية

إن من السهل أن نلاحظ أن الجندي لا يذهب إلى ساحة الحرب راضياً، وإنما يدفع إليها دفعاً. فإذا ضحى فيها لم يكن عدوانه إلا مظهراً من دفاعه عن نفسه. إنه إن لم يقتل من يواجهه فهو مقتول لا محالة. فقتل غيره هو أضمن السبل لخلاص نفسه. وواضح أيضاً أن الجندي يحب في كل وقت من أوقات الحرب أن يُسرّح ليعود إلى أمنه وطمأنينته، سواء أكان الجيش الذي يحارب فيه مغلوباً أو منتصراً.

إن الحرب الإجماعية على شكلها الحاضر لا تتصل بالنوازع البشرية أو بالغرائز، وإنما تقوم لمصلحة أناس محدودين ضاق نظرهم وتكمن الخوف من نفوسهم. وتشمل هذه المصلحة الدوافع النفسية الملتوية والدوافع المادية على السواء. إن سواد الجنود يحارب لغير دافع من نفسه، فالقتل للقتل صفة غير معروفة. والدكتور ولاية يرى هذا فيقول إن الجندي عندما ينعم النظر في (وعي ذاته ويشعر بأنه شخصية قائمة بذاتها لا تستطيع روحه الاندماج مع الروح التي تقود زملاءه الجنود إلى التلاحم). وهذا القول يقرر أن الوعي البشري مخالف لروح الحرب التي يظن القارئ لمقال الدكتور أنها أزلية فتستمر ابد الدهر مستمدة نفعها من أعماق الطبيعة البشرية.

(السلط)

محمد أديب العامري

<<  <  ج:
ص:  >  >>