للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

زار مصر ولم ير غير الأدباء المفتونون باللغة العامية، وهم بشهادة أنفسهم من المتخلفين عن رعيل أهل الفكر والبيان.

والخطر الخوف من مذهب محمود تيمور يرجع إلى أنه رجل محترم، فهو من أدبائنا الكبار بلا جدال، وإقباله على التعبير بالعامية ستكون له عواقب سود، لطف الله به وهداه!

في مَدَى أربعة عشر عاماً لم يجرؤ واحد من الأثمة على كتابة العامية العربية بالحروف النطقية، كما صنع محمود تيمور في المجموعة التي نشرتها مجلة (الحوادث)، وهي مجموعة تشهد بأنه انقاد لفتن المستشرقين أبشع انقياد، وسيهوى بها في قاع جهنم ألف خريف.

الولد سر أبيه

أترك هذا الجانب الشائك، وأنتقل إلى شرح مسألة طال حولها الخلاف، وهي البعد بين تيمور الأب وتيمور الإبن، فجمهور أهل النقد يرى أن محمود تيمور يسير في طريق ينكره أحمد باشا تيمور، وكان هذا الباشا من أكابر أهل البحث والتحقيق

وأسارع فأقرر أن (محمود) سر أبيه في اللغة وفي القَصص، ولكن كيف؟

ألف تيمور باشا رسالة في اللغة العامية، ولهذا المنحى من التأليف مدلول، فهو يشهد بأن ذلك الباحث العظيم كان يرى أن اللغة العامية خليقة بـ (ردِّ الاعتبار)، فهي لغة فصيحة لا ينقصها غير الإعراب، وليس الإعراب شرطاً في البيان إلا عند خوف اللبس والغموض.

وقد ورث محمودٌ عن أبيه هذه النزعة مع شيء من الانحراف أغراه به صنائع المستشرقين.

ومحمود سر أبيه في القصص، ولتوضيح هذه النقطة الدقيقة أقول:

مؤلفات تيمور باشا تغلب عليها النزعة القصصية، وإن كانت في الأغلب من فنون البحث القائم على الأسانيد.

هل قرأتم كتاب تيمور باشا عن (أعيان القرن الثالث عشر)؟

قد تقولون: إن الأخبار الواردة في هذا الكتاب منقولة عن الواقع لا عن خيال؛ وأقول: إن تلك الأخبار الواقعية فيها نزعة خيالية، وهل كانت القصة الجميلة غير حكاية صحيحة؟

تيمور باشا لم يخترع ما في كتابه من حوادث، ولكن أسلوبه في تخير الحوادث يشهد بأنه

<<  <  ج:
ص:  >  >>