للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وفحولة اللفظ، ولا أزال إلى اليوم أعجب برسالة ابن فارس هذا إلى من أنكر فضل الجديد لأنه جديد، ومال إلى تقديس كل قديم لأنه قديم، وأعدها من نفائس الآثار، وهي في مقدمة الكتاب، و (بلوغ الأدب للألوسي) وقد أورثتني التعصب للعرب والمبالغة في ذلك، ثم علمت أن قد كان فيه زيف كثير كما كان فيه صحاح كثير، وما زلت أحفظ جملة صالحة من أخباره صحيحها وباطلها؛ و (الأغاني) قرأته كله، أعني أخباره وقصصه دون ما فيه من أسانيد وأصوات وأشعار وأصوات وأشعار وأنساب، وهو رأس مالي في الأدب؛ وقرأت (الكشكول) و (المحلاة) و (مراقي الفلاح) في الفقه الحنفي ألزمني والدي قراءته، أسبغ الله عليه رحمته، (وشرح رسالة ابن زيدون) المطبوع على هامش (الغيث المنسجم) وكانت طريقتي في المطالعة أني إذا فرغت من دروس المدرسة دخلت مكتبتنا فتخيرت كتاباً فأخذته فنظرت فيه، فإن أعجبني مضيت فيه لا أدعه حتى أتمه وإلا أخذت غيره، لا أستعين على ذلك بمرشد، ولا أستهدي بهاد، إلا ما كان شيخنا لأستاذ اللغوي الشيخ عبد القادر المبارك يسمعه لنا من الكتب ويرشدنا إليه. وكنا نأخذ الأدب عن الأديب الضليع المتفنن الأستاذ سليم الجندي، وكان يحذرنا (جزاء الله عنا خيراً) أن نقرأ الجرائد والمجلات وكتابات أهل العصر، على اعترافه أن فيهم من أطفأت شمسه بدور البلغاء من الأوائل، خشية أن نسيء الاختيار فتصيبنا عدوى الركاكة وهي شر من عدوى الكوليرا والجذام. فدخلت الجامعة وأنا لا أعرف من العصريين إلا المنفلوطي رحمة الله، وكنت أظنه أبلغ كتاب العصر، ولا أعدل بأسلوب (نظراته) شيئاً حتى وقع في يدي (رفائيل) للزيات، فوجدته كنزاً من أغلى كنوز النثر، وصغرت معه (عبرات) المنفولوطي حتى صارت كلا شيء. ثم عرفت الرافعي وقد أصدر كتابه (تحت راية القرآن) رفع الله به درجاته في الجنة، فعلمت أن الله قد خلق من هو أبلغ من المنفلوطي، إي والله ومن عبد الحميد وابن المقنع وابن العميد، ومن كنا نراهم يومئذ أئمة البلاغة والَّلسن. على أني لم أنس المنفلوطي وترجمت عن شكري له ولأستاذي الجندي والمبارك بإهداء الثلاثة كتابي (الهيثميات) وهو أول كتاب ألفته (١٩٣٠)

أقول إني أحسست بعد قراءة ما ذكرت من الكتب بشيء تجيش به نفسي، فنفست عنها بمحاولة الكتابة فاستوى لي مقال، نسيت اليوم موضوعه، قرأته على رفيقي أنور العطار

<<  <  ج:
ص:  >  >>