للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والأرض الذي تنطق به كل المخلوقات ولا يفهمه إلا الأقلون؟!

وقدرت أن من الخير لنا أن نهيب بالشعراء والأدباء ليدلوا الناس على هذه المدرسة ويبسطوا لهم نظامها ونهج الدراسة فيها ليقبلوا على دراسة لغة الطبيعة وتخصص أسرارها بالبحث، وقدرت أن الإقبال على هذه المدرسة رهن بما يثار حولها من دعاوة وإعلان. ولما لا نحيط الفكرة بالدعاوى والإعلان ليقبل الناس عليها ونحن في هذا الزمان نحيض الباطل بالدعاوى والإعلان حتى نحسبه حقاً، ونبهرج الكذب والمين حتى يبدو لنا صدقاً واستوت لي في هذا التفكير صورة (إعلان) عن هذه المدرسة فإذا هي كما ترى:

مدرسة تعليم اللغة الطبيعية

المدرسة مؤسسة منذ أن خلق الله الكون وجعلها تذكرة وعبرة لأولى الألباب. مواد الدراسة فيها لا يحصيها حصر ولا يحيط بها بيان، ويأخذ منها الطلاب ما تسع جهودهم وتحمل إفهامهم: منها السماء ونجومها، والسحب وأمطارها ورعودها وبروقها، والشمس والقمر، واليابس والماء، والجبل والسهل، والشجر والثمر، والرياح والعواصف، والرمل والحصى، وكل ما تفزع إليه الأبصار البصيرة حين تضيق بها سبل الحياة فتلتمس في جمالها النجاة، وحين تحتبس النفس في ظلمة المادة فتلتمس الفرج في نور الطبيعة. ويدرس بالمدرسة الإنسان وطبائعه والحيوان وخصائصه كما تدرس العلل والأمراض في مدارس الطب وصحة الأبدان والدراسة في هذه المدرسة ليلية حتى دراسة الشمس! وقد اختير الليل لأن سواده ينم عن أدق أسرار الطبيعة كما ينم سواد العيون عن أسرار القلوب. والطبيعة خفِرَة رقيقة يؤذيها الأضواء الوهاجة وتؤلمها الأصوات الصاخبة، فلا تبدو في أنصع أثوابها إلا في سواد الليل، ولا يشرق وجهها إلا بعد غروب الشمس، ولا تستيقظ إلا حين ينام الناس، ولا تنطق إلا حين يصمت كل لسان. ويشترط للانتظام بهذه المدرسة أن يقدم الطالب شهادة بأنه قد مارس الجمال والحب والفن فلم يفرق بين ثلاثتها، وذاق لذاتها وآلامها وحلاوتها ومرارتها. ولا تقوم وثيق الزواج مقام هذه الشهادة. وأن يقدم شهادة موقعاً عليها من أثنين من كبار علماء الأرض يعترف فيها معهما بأن مبلغ علمه وعلمهما أن الثلاثة لا يعلمون شيئاً. والمدرسة تعد الطالب للعلم بلغة طبيعية، وعليه بعد هذا أن يناجيها بلسانها فيفهم أسرارها ويستودع أسراره ويقدس جمالها ويحدث عن جلالها. وأنه لموفق سعيد إن استطاع

<<  <  ج:
ص:  >  >>