للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الفطنة والرشد يدركون معه أن اختيار النظم الحرة للهيئات الاجتماعية اختياراً موفقاً صائباً لا يستقر في الأفكار والعقائد التي تنادي بها جماعة الشيوعية الاستبدادية من ناحية اليسار، والمذاهب والآراء التي تفرضها الهيئات الفاشية والنازية من ناحية اليمين، بل يجب أن ينهض على المبادئ الحرة المنظمة التي ظلت أعظم ما يصبو إليه النظر، وتنصب عليه التجارب في بريطانيا رجاء النهوض بمدينة الجنس البشري

إننا بحاجة لأن نمعن في تقصي هذا الموضوع والاستزادة من استقرائه ودراسته ما دمنا نترقب ما قد ينتهي إليه من التحكم في حرية الصحافة. وهنا نجد لزاماً علينا أن نتساءل لمَ بلغ تهديدهم للحرية هذا المبلغ الخطير، ولماذا انتهى إلى هذه الحال المروعة؟ ولماذا ضيع أمثال هؤلاء الناس العظام من الطليان والألمان حريتهم واستكانوا للذلة وخضعوا للطغيان؟ ولم يدلنا ظاهر أمرهم على أنهم يفخرون بتلك النظم التي تقضي على كرامة الإنسان وتضيق الخناق على الحرية؟ ولم نرى في بريطانيا هؤلاء القوم من عظماء الرجال العموميين وأصحاب الصحف الخطيرة الشأن الواسعة السلطان يطأطئون رؤوسهم ويطمئنون من نخوتهم أمام دعاة تلك النظم الاستبدادية وقادتها؟ ولم يتعامون عن تلك الجرائم النكراء التي تنادي بمسئولية قادة تلك النظم وهم إلى ذلك يعيرونهم آذاناً واعية ويمجدون أعمالهم؟

والجواب على ذلك هو أنه وقتما ينهض في الشعب نظام استبدادي كالشيوعية الروسية ويطبع نفسه بطابع من القوة الغاشمة والعنف المروع ثم يتأنى له بعون من رجال الشرطة الجبابرة القساة المنبثين في كل مكان أن يسحق الحربتين السياسية والشخصية ويحرم على الناس الملكيات الخاصة، تقف منه النظم الأخرى التي تزعم لنفسها حماية الملكيات الخاصة موقف المعارضة والمناضلة، ثم لا يكون منها هي الأخرى إلا أن تتخذ من سلاح القوة والعنف ومن رجال البوليس السري عوناً لها، لا للقضاء على أولئك الرجال وتلك الأحزاب من شيعة الشيوعية فحسب، بل ولتحطيم سند الحرية وحماتها وممثلي الديمقراطية أيضاً.

زين العابدين جمعة

<<  <  ج:
ص:  >  >>