للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تسير جنباً لجنب مع الصورة التي يذكرها أصحاب السير للرسول نبينا العظيم.

استعمل محي الدين بن العربي هذا الاصطلاح كاستعمال أرسطو لكلمة (الإنسان الأول) أو استعمال فلاسفة اليونان لكلمة أو العقل، أو كلمة تقريباً؛ استعمل هذا الاصطلاح ليدل على نسبة العقل الأول إلى العالم الكبير أو النفس الجزئية بالنسبة إلى النفس الكلية ليدل على فكرة طالما أفنى المتصوفة أنفسهم شوقاً إليها إلا وهي فكرة المعرفة والتجلي عن طريقي الوجد والفناء حتى يصل الإنسان في النهاية إلى (الشجرة) وهي درجة الإنسانية الكاملة التي لا إنسانية فوقها أبداً. ونظراً لمكانة هذه الفكرة وما يحيط بها من إبهام وغموض، تصورها المسلمون لذلك بصور شتى وأشكال لا حد لها خرجت في كثير من الأحايين من عالم الفلسفة الإسلامية إلى عالم آخر أبعد من عالم الإسلام والتصوف بدرجات.

وقد ظن المستشرق ماكس هورتن أن ذلك العالم هو العالم البراهمي وهو عالم غني بهذه الأفكار مملوء بهذه الآراء، وظن المستشرق شيدر - وهو مستشرق يرجع أصل كل شيء في الحضارة الإسلامية إلى مصدر إيراني قديم - أن مصدر هذه الفكرة الآراء المانوية الإيرانية القديمة. يرى أن هذه الآراء أثرت في التصوف كما أثرت في فلسفة أبي بكر الرازي وإخوان الصفاء وناصر خسرو وغيرهم، وذل لوجود تشابه رآه هذا المستشرق بين فكرة الإنسان الكامل وبين المعتقدات المانوية القديمة.

وترد نفس هذه الفكرة في فلسفة فيلون وفي الفلسفة البوذية حيث يكون بوذا أكمل مخلوقات الله، فيه اجتمعت المتناقضات، وفيه تم كل شيء، فهو الإنسان الكامل وهو رمز وحدة الوجود، فيه اجتمعت الروح بالمادة بصورة لا نتصورها إلا في الله، لذلك هو المثل الأعلى للبشرية، وهو الإنسان الكامل؛ وعلى كل إنسان يريد أن يصل إلى مرتبة البشرية الكاملة أن يسعى سعياً روحياً للوصول إلى هذه الدرجة التي لا تتم إلا على يد قطب أو وسيط، وهذا القطب أو الوسيط هو نفس الوسيط الذي استعمله الصوفية والإسماعيلية والشيع الإسلامية السرية للوصول إلى واجب الوجود.

وقد مزج المغيرة وهو أحد الذين اتهموا في دينهم (احرق عام ٧٣٧م) بين فكرة (الإنسان المطلق) وبين نظرية العدد والبروج التي ترد في مذهب الفيثاغورسيين والمنجمين فقال

<<  <  ج:
ص:  >  >>