للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أليس من أكبر الكرامة أن يذكر الله الإنسان ولا ينساه، وأنه يوجه ليه الخطاب في كتاب يهديه به سبحانه سبل السلام وسبل الهدى والنور؟ أليس من أكبر النعمة حين علم الخالق سبحانه ضعف الإنسان وجهلاه وما يتهدده من جرائمها من أخطار أن ينزل عليه نظاماً لحياته هو وفق الفطرة التي لم يكن الإنسان ليحيط بها ولا بسنن الله فيها؟

إن العلم شيء وتطبيقه من غير خطأ أو خلل شيء آخر. فلو أن الإنسان أحاط بالقوة علمه لما استطاع أن يطبقها على حياته محكماً لا خلل ولا عوج فيه. بل أن صعوبة التطبيق وإصابة الحكمة فيه لتزداد بازدياد ما يراد تطبيقه وتفرعه. فالإنسانية بقواها العقلية المحدودة أعجز من أن تحيط بالفطرة علماً، ولو علمت لكانت أعجز من أن تطبق علم الفطرة وتنتزع منه نظاماً عملياً لحياة الإنسان في عصر واحد بله جميع العصور

فإن الخالق البارئ الحكيم قد جمع للإنسانية بين علم الفطرة وبين إحكام تطبيقه على الحياة حين أكرمها بالإسلام دين الإنسانية الكامل الشامل الذي أنزله على محمد نبي الهجرة صلوات الله عليه. فاعجب إذن للإنسانية كيف تتخبط وبين يديها الهدى، وكي تشقى وفي متناولها السعادة، وكيف تموت وعلى مقربة منها الحياة؟!

ثم اعجب عجباً بعد عجب من قوم يزعمون من بين الإنسانية أنهم مسلمون إلى الله مؤمنون بالكتاب الذي أنزل والرسول الذي أرسل، ثم هم يعطلونه ولا يقيمونه، ويضعونه ولا يحفظونه، بل هم يلتمسون الهدى في غيره، ويتطلبون الحياة ممن ضل عن روحه ونوره، يولون قلوبهم ووجوههم لا شطر المدينة الإسلامية التي أقامها الرسول بتطبيق كتاب الله فكانت مثلاً عملياً أعلى للإنسانية كلها، ولكن شطر المدين الغربية التي ضلت عن ربها وعبدت المال والقوة والجاه فأداها ذلك إلى التهلكة التي ترى والتي تحاول التخلص منها فلا تستطيع

فريق من الإنسانية بيدهم النور فلا يستنيرون به! وفريق في الظلمات يظنون أنفسهم في نور! أيهما يا ترى أظلم؟ ولأيهما يا ترى تكون النجاة؟

محمد أحمد الغمراوي

<<  <  ج:
ص:  >  >>