للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

السلم والحرب. وهو فيما أعلم الوحيد الذي بلّغَ الرسالة كلها، وأتم عمله أجمعه في حياته، فأكمل الدين، وأسس الدولة، ووضع القواعد كلها، ووجه الأمة الجديدة الوجهة التي فيها الخير والصلاح والعز. وليس لهذا مثيل في التاريخ - قديمة وحديثه -. وهنا ينبغي أن نذكر أن مسافة الزمن التي تم فيها كل هذا كانت قصيرة جداً، وأن دينه كان جديداً، يخالف كل ما وجد عليه العرب. وفي هذه المدة الوجيزة لم يغير للعرب عباداتهم وحدها، بل غير نفوسهم أيضاً. ولاشك أن صرف امرئ عن عبادة حجر أو نحوه أهون جداً من صب النفس في قالب جديد. وقد خلق من هؤلاء العرب المتنافرين المتعادين المتهالكين رجالاً يعدون في طليعة أبطال العالم. وماذا كان هؤلاء جميعاً خليقين أن يكونوا لولا محمد؟ ونعني بهم أبطال التاريخ الإسلامي من مثل الخلفاء والولاة والقواد والفقهاء. . . أكان أحد يمكن أن يسمع بهم؟؟ لا أظن! ولا شك أنهم كانوا خلقاء أن يكونوا شيئاً مذكوراً بين قومهم، ولكن قومهم أجمعين لم يكونوا شيئاً. وما قيمة قوم انقسموا قبائل متعادية لا أثر لها في الحياة، ولا يعبأ بها حتى من يجاورها من الأمم؟ ومن هذه العناصر خلق محمد أمة عظيمة فتحت الدنيا، ونشرت الدين، وأهدت إلى العالم حضارة كبيرة غيرت مجرى التاريخ الإنساني كله

ولا يتسع المقام للإفاضة في هذه المعاني، ومن أجل هذا أكتفي بأن أقول إن محمداً أعظم عظيم خلقه الله. وأزبد على هذا أني كنت في صدر حياتي أستهين قول من يقول إن العرب خير الأمم وأفضلها، وأرى ذلك من الغرور، ولكني الآن صرت أعذر من يقول هذا. ولست مغري بالمفاضلة بين الأمم ولا أنا أرى داعياً لهذا، فإن كل أمة تؤدي في الحياة رسالتها على قدر طاقتها ولكن أمة تنجب محمداً، هل يلام من يقول إنها أعظم الأمم؟

إبراهيم عبد القادر المازني

<<  <  ج:
ص:  >  >>