للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

سواهم في الجنة لا يزيد عن طمع إبليس، وتلك غاية الغايات في الإيمان بأن (الدين عند الله الإسلام)

ذلك التصور اليوم قد يعدّ من ضروب الخيال، ولكنه كان حقيقة عند المسلمين الأولين، وبفضل تلك الحقيقة وصلوا إلى ما وصلوا إليه من التفوق الملحوظ على أكثر الممالك والشعوب.

والغريب في هذه القضية أن المسلمين الذين آثروا لغتهم بذلك التقديس قد تحرروا في فهم أغراضها تحريراً لا يعرفه أبناء اليوم، فقد كانوا يستبيحون إنشاد أشعار المجون في المساجد وفي أعقاب الصلوات، وكانوا يرون خصومهم في هذه الحرية الأدبية قد (تنسكوا تنسكاً أعجمياً)، ولذلك شواهد يضيق عنها هذا المجال

قد تقول: وما الموجب لهذا التناقض الغريب؟

وأجيب بأنهم أرادوا أن يجعلوا اللغة العربية لغة مدنية لا لغة دينية، واللغات المدنية تتحدث عن جميع الشؤون، ولا تسكت عن شرح العواطف والأحاسيس والأوهام والأضاليل. ألم تروا كيف اتسعت مساجد المسلمين لشرح أشعار النصاري واليهود والصابئين؟

ويتفرع عن هذا ما جاء في التواريخ الإسلامية من أعمال الرجال، فالإسلام كُتلةٌ واحدة، فكما تقول في جِد عمر بن الخطاب: حدثنا فلان عن فلان، تقول في هزل عمر بن أبي ربيعة: حدثنا فلان عن فلان. وهل ثبت في أي ملة أن رجال الدين تحرروا من تقاليد فقالوا في الجمال الذي يطوف بالأماكن المقدسة معشار ما قال الشريف الرضي في قصائده الحجازيات، وكان أمير الحج بتفويض من خليفة المسلمين؟

يجب الاعتراف بأن الإسلام أعطى أبناءه حريات لم تعرفها سائر الديانات، لأنه لم يكن ديناً فحسب، وإنما كان ديناً ومدنية

ويجب الاعتراف بأن التطاول على هذا الدين لا يقع إلا من الأوشاب والمأجورين، فما كان إلا نعمة نورانية جاد بها الله على هذا الوجود

وماذا أقول في شرح الظاهرة الثانية، وهي الاهتمام بما في التشريع الإسلامي من الجوانب المدنية؟

تنقسم كتب الفقه إلى قسمين: قسم العبادات وقسم المعاملات ويلاحظ من يقرأ كتب الفقه أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>