للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أنوار أقباس الحيوية السماوية القادرة. وإن أعياد الأمم مهما اختلفت أغراضاً، وتفاوتت مقاصيدَ، لا تزيد على أن تكون رمزاً لناحية واحدة مجيدة اجتماعية أو غير اجتماعية، فردية أو غير فردية، على حين تجتمع في عيد الهجرة أعياد وأعياد

في عيد الهجرة أعياد. ومن أعياده الرائعة المتألقة الوضيئة عيد الوفاء في أروع مظاهره، والفداء في أبهى صوره، والصبر في أكمل معانيه، والجهاد في أعظم غاياته، والإيثار في أنبل مواضعه، وحب الوطن في أقوى حالاته، والثبات على المبدأ في أثبت دعائه

لنا في الهجرة مثال للوفاء يحتذي، وإنه لمثال يتألق حقاً في رفيق الرسول أبي بكر الصديق؛ فقد كانت براثن الخطر تترقب، ومخالب الشيطان تتوثب، وكل شيء في شعاب الطريق ومسالكه يستر خطراً يكاد يهجم، فالأحقاد تلهب الصدور، والصدور تضطرب بنزوة الدم وثورة الضغينة

أجل كان كل هذا ولكن الصديق كان وفياً. ولكن الصديق كان ثبتاً؛ ولكن الصديق كان قد انتضى للأمر عزائمه وتغلغلت في روحه روح الوفاء فأبي أن يكون هيابة نكساً. ووجد الوفاء في قلبه أرضاً طيبة فأينع وأثمر، فذلل له كل مستصعب. فكان خير مثال لمصابرة المكاره، ومعالجة البأساء. تحمل في سبيل الوفاء وعثاء الطريق ولم يضطرب قلبه لمخاوف الرحيل في هذا الجو الملبد بالأخطار. فياله من رجل ترك الأهل والمال والولد ورافق الرسول الكريم لغاية لا يعلمها إلا الله. مثل هذا الوفاء جدير بأن نقيم له الأعياد لنستمد منه أروع المعاني، ونهرع إليه كلما دهمتنا الأحداث ولاحت لنا الخطوب

للهجرة أعياد، ومن أعيادها عيد الفداء

وإن لنا من على كرم الله وجهه لمثلاً للفداء حياً

وما ظنك بالرجل الذي يعلم علم اليقين أن الموت يلمع في أسنة السيوف بباب مرقده، والهلاك يترصد في كل زاوية من دارٍ هو فيها سجين أو شبه سجين؟ ما ظنك برجل يحس بالخطر يتوثب ويترقب، وهو في موقف يؤرق العين ويعذب القلب؟ فالكفار بالباب قد أعلنوا حرباً مصرحة مستعلنة، والكائدون قد نصبوا الحبائل ومدوا الشباك يترقبون الرسول الكريم. . . وهيهات، فإن عليًّا هنالك، وإنه لنائم مكانه

أيها الفداء العجيب في شخص علىّ، إنك لخير مثال تتطلع إليه القلوب في مثل أيامنا

<<  <  ج:
ص:  >  >>