للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

منهم بفضل الإسلام وسموّه من حيث هو دين، ومن حيث هو سبب للمدنية.

تلك الحقائق الواضحة ينكرها فريق من أصحاب المصالح الاستعمارية، الحريصين على نفوذهم أو سيطرتهم في البلاد الإسلامية؛ بل هو يزعم أن عالم الإسلام قوة من القصور الذاتي والقدرة على عدم المطاوعة تعارض بطبعها مدنية الغربيين؛ وإنه عالَم لا يقبل التغيير وعاجز بكيانه وأخلاقه عن التطور الصحيح النافع؛ فهو كتلة تظّل أبد الدهر غير قادرة على مساواة أمم غربية في الجَلَد والضمير، والصفات النفسية، برغم الظواهر وبعضِ التأويلات التي تخدع من لا خِبرة لهم برجال هذه الكتلة وشؤونها؛ ومواهبُ الشرق الفطرية مناحسُ، هي الخلو من المثل الأعلى ومن الفضائل القومية؛ وهي الجَوْر، والرغبة عن المشروعات التي يطول بتنفيذها الزمن؛ وهي البلادة في رخاوة وتثاقل، والجمود تتخلله أزَمات عنيفة قصيرة ليس فيها كبير طائل؛ فأحسن حال تحدث للبلاد الإسلامية هي أن تدخل، طوعاً أو كرهاً، في وصاية حكومات أجنبية تنيلها، بالتوجيه الحازم، خيرات النظام الذي تمنعها عوائقها أن تقيمه هي من تلقاء نفسها.

ألا إن الإسلام دين الفطرة واليُسْر، ولا تعقيد فيه. وأصله الاعتقاد بالله الأحد، وبالرسالة المحمدية. والقرآن هدى للمؤمنين لا عقبة في سبيل فلاحهم الاجتماعي والأخلاقي، والشرعي والفكري. وقد أصلح النبي على نوره شأنَ العرب وصَلُح به شأن أمم شتى. وكان تقييد العقول أبعَد الأشياء عن خاطر الرسول الذي أوحى إليه: (إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون) و (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب).

وليس الإسلام بذلك النظام الجامد الذي لا يراه إلا أهل النظر السطحي أو أولو الأغراض. ولقد كانت المدنية الإسلامية، قبل قرون، أزهر مدنية في الدنيا، يوم كان شارلمان فارساً خشناً بالنسبة إلى هارون الرشيد؛ وكان العالم المسيحي، لأوائل عهد الإصلاح الديني في أوربا، على حال سادت فيها العقيدة على العقل، وعمّ الرضى الأعمى بالتعاليم وبالسلطة، والعداء لحرية الفكر والعلم، والارتيابُ بهما.

كلا، ليس الإسلام في شيء من المعارضة للعلم والمدنية؛ وقد قضى العالم الإسلامي عهداً مديداً في فتور وحياة متئدة، ولكنه آخذ في الخروج من حال تخلُّفه. فمن ذا الذي يستطيع أن يحكم بأنه لن ينطلق إلى طور جديد يعيش فيه عيشة مصححة بلا معين، محتفظاً

<<  <  ج:
ص:  >  >>