للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الحرَّ قُلْ نارُ جَهَنمَ أَشَدَّ حَراَّ لَو كانوا يَفْقَهُون). . . وحتى ذهب البعض الآخر يتلمس الحجج الواهية ليأذن له النبي في البقاء كما فعل الجدُّ بن قيس حين قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هل لك العام في جلاد بني الأصفر؟) فقال: (يا رسول الله أو تأذنْ لي ولا تَفتِنيَّ فوالله لقد عرف قومي أنه ما من أحد أشدُّ عجباً بالنساء مني. وإنيَّ لأخشى إن رأيت بني الأصفر ألا اصبر) فأعرض عنه الرسول ونزلت فيه الآية (ومنهمْ منْ يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين)

فعدوَّ تلك حاله وحال المسلمين معه، كيف يكون على رأس جيشه غلام حدث كاسامة، وكيف يعقد له اللواء في جيش يضم صفوة الأنصار، وشيوخ المهاجرين الأولين كابي بكر وعمر؟

تلك قصة القوم من ضعاف الإيمان فما خبر المؤمنين؟

لقد قال المؤمنون إن هذا أمر الرسول فعليهم طاعته. ألم يقل الله تعالى: (ومن يُطع الرسول فقد أطاع الله). ألم يقل عز وجل: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوَلَّهِ ما تولّى ونصله جهنم وساءت مصيراً). ثم إن الغزو جهاد في سبيل الله، وإن المرء لفائز فيه بأحد الحسنيين: الاستشهاد أو الظهور، وما أحدهما إلا خير عند الله من الآخر. . . صحيح إن أسامة شاب لم يعدُ العشرين ربيعاً، ولكن أليس الشباب أنفذ عزماً، وأنهض همه، وأبعث للحمية في النفوس؟. . . ألم يحن الوقت بعد ليحمل الشباب لواء هذا الدين الجديد، وينهض بأمره، ويشترك في تحمل تبعاته الجسام؟ ثم أليس أسامة من خيرة شباب الإسلام: أليس أبوه زيد بن حارثة مولى رسول الله صاحب ثقته، وثاني من آمن به من الرجال بعد علي بن أبي طالب، وأول من استشهد في غزو الروم في مؤتة وبين يديه لواء الإسلام؟ أليس أسامة من استشاره النبي في حديث الإفك عن عائشة وهو صبي صغير؟ إن المسلمين ما زالوا يذكرون يوم دعاه النبي ودعا معه علي بن أبي طالب إلى منزل أبي بكر ليستشيرهما في أمر عائشة وصفوان، وقد استفاض حديث الناس وكثر القول. فأما أسامة فقد قضى أن حديث إفك وبهتان عظيم. وأما عليّ فقد قضى قائلاً: إن النساء لكثير غيرها. وأما الوحي فقد قضى بما قضى به أسامة: (ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم)

<<  <  ج:
ص:  >  >>