للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الاستناد إلى الواقع المحسوس والمنطق الوضعي الذي في الطبيعة.

ولو سألت الإنسانية نفسها: من أدخلني إلى رحاب الحياة وجعلني أحرص عليها مع أني لم أدخلها باختياري؟ والتزمت ما يوحيه الجواب على هذا السؤال إذاَ لنبت إيمان كل فرد من قلبه هو قبل أن يقرأ كتاب دين أو يرث عقيدة أمه وأبيه

لأن سر الحياة العميق الملتهب الذي يسكن أجسامنا يحملنا على المحافظة عليه دافع مبهم مجهول عجيب مهما لقينا في سبيل الاحتفاظ به من آلام وعناء. . . ولم يفر من حملة إلا الأقلون من المنتحرين؛ وهم القلة بحيث لا يعتد بهم

هذا الدافع العجيب هو صوت خفي بعيد عن غير (المؤمنين) وواضح قريب عند المؤمنين. وما يعنينا البحث عن الصوت الواضح عند هؤلاء؛ وإنما يعنينا البحث عن ذلك الخفي البعيد عند أولئك. . .

ونسألهم: لماذا لا يفرون من الحياة وينتحرون ما داموا بها غير مؤمنين؟

لماذا يستمرون في الصراخ والعويل والإزراء على الحياة والأقدار العمياء أو المبصرة، واليد المقدرة أو الصدفة الخابطة. ويصدعون أسماع الناس بالأنين والتشاؤم مع أن الأولى بهم أن يريحوا أنفسهم من عناء الأحوال والأعمال والأقوال فيرجعوا إلى عالم الجمود والموت كما تمنى قائلهم:

ما أطيب العيش لو أن الفتى حَجَرٌ ... تنبو الحوادث عنه وهو ملموم!

ونسألهم لماذا يقعد بهم الجبن عن مفارقة الحياة ثم تذهب بهم الشجاعة إلى السباب والسخط على من أدخلهم إليها؟! فأين أدب الضيوف؟!

إن للحياة نبأ عظيما يدركه الفكر المقدر لتلك الأعمال العظيمة التي يدور بها دولاب الفلك في هول واتساع وقوة ورهبة! و (إن في السماء لخبرا) كلمة جاهلية العصر؛ ولكنها لباب العلم في كل زمان

وما يعنيني شخصيتي المحدودة، ما دمت قد حظيت برؤية هذه الدار الهائلة ذات الأعاجيب اللانهائية.

وما تضيرني حوصلتي الضيقة المظلمة الفقيرة ما دمت قد رأيت رحاب الفضاء ومصادر النور وخزائن الغنى والثراء التي ما لها من نفاد

<<  <  ج:
ص:  >  >>